فقد حصل من ذلك أن العوض قد ينتقل من فاعل الألم إلى غيره كما ذكرناه.
إن التائب إذا أقيم عليه الحد فإنما يستحق العوض على الله تعالى لا على الإمام مع أنه هو الذي آلمه ، ولذلك أخذنا في الوجوه الذي ينتقل بها العوض من فاعل الألم إلى غيره.
انتقال العوض من فاعل الألم إلى غيره
وجملة ذلك ، أن العوض ينتقل من فاعل الألم إلى المبيح ، والنادب ، والموجب ، والملجئ ، ولكل من ذلك مثال نذكره.
أما مثال الإباحة ، فهو كذبح البهائم ، فإن البهائم إنما تستحق العوض على الله تعالى إذا ذبحناها ، دوننا ، من حيث أنه هو المبيح لذلك.
ومثال الندب ، هو كالأضاحي فإنها تستحق العوض على الله تعالى ، دوننا ، لما كان الله تعالى هو الذي ندبنا إليه.
ومثال الإيجاب ، فهو كالهدايا ، فإنه لما كان تعالى الموجب لذبحها استحقت العوض عليه تعالى ، دوننا.
ومثال الإلجاء ، هو أن يلجئ أحدنا صاعقة أو برد حتى يعدو على زرع غيره فيفسده ، فإن صاحب الزرع يستحق العوض ، إلا أنه إنما يستحقه على الله تعالى ، دون من يعدو على زرعه ، لأن الله تعالى هو الذي ألجأه إلى العدو.
ولا يختلف الحال في هذه الوجوه بيننا وبين القديم ، فإن أحدنا لو أباح أو أوجب أو ألجأ غيره إلى إيلام الغير ، لكان العوض ينتقل إليه على الحد الذي انتقل إلى الله حين أوجب أو ألجأ ، ولهذا فإن سبعا لو ألجأ أحدنا إلى العدو على زرع الغير ، فإن صاحب الزرع إنما يستحق العوض على السبع إذ السبع هو الملجئ إلى ذلك ، وإن كنا نعتبر في الملجئ أن لا يكون ملجأ ليستحق العوض عليه ، لأنه لو كان ملجأ كان العوض على من ألجأ الأول.
فإن قيل : كيف يصح استحقاق العوض على السبع مع أنه غير كامل العقل؟ وجوابنا : إن كمال العقل غير معتبر في ذلك لأنه جار مجرى أروش الجنايات ، وفي أروش الجنايات لا يعتبر كمال العقل ، فإنك تعلم أن صبيا لو مزق على غيره ثوبه يجب أن يدفع إليه قيمة الثوب من ماله مع كونه غير كامل العقل ، فبطل ما أورده.