وتحرير الدلالة على ذلك ، هو أنه تعالى لو لم [يكن] (١) قديما لكان محدثا ، لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين ، فإذا لم يكن على أحدهما كان على الآخر لا محالة. فلو كان القديم تعالى محدثا لاحتاج إلى محدث ، وذلك المحدث إما أن يكون قديما أو محدثا ، فإن كان محدثا كان الكلام في محدثه كالكلام فيه ، فإما أن ينتهي إلى صانع قديم على ما نقوله ، أو يتسلسل إلى ما لا نهاية ولا انقطاع من المحدثين ومحدثي المحدثين ، وذلك يوجب أن لا يصح وجود شيء من هذه الحوادث ، وقد عرف خلافه.
فإن قيل ومن أين ذلك؟ قلنا : لأن ما وقف وجوده على وجود ما لا انقطاع له ولا تناهي لم يصح وجوده ، ويقتضي ما ذكرناه من استحالة حدوث شيء من هذه الحوادث. ألا ترى أن أحدنا لو قال لا آكل هذه التفاحة ما لم آكل تفاحات لا تتناهى ، لم يصح أكله لهذه التفاحة قط ، لما وقف ذلك على وجود ما لا يتناهى. كذلك لو قال إني لا أدخل هذه الدار حتى أدخل دورا لا تتناهى ، فإنه لا يدخلها البتة لما ذكرناه ، فلما وجدت هذه الحوادث صح أنها مستترة إلى صانع قديم تنتهي إليه الحوادث على ما نقوله.
وقد قيل : إنه لو لم يكن صانع العالم قديما لكان محدثا ، لأن الموجود إما قديم وإما محدث ، ول؟ كان محدثا لم يصح منه فعل الجسم ، لأن المحدث لو قدر لم يقدر إلا بقدرة ، والقدرة لا يصح بها فعل الجسم ، فيجب أن يكون قديما.
ما يلزم معرفته في هذا الباب
وأما الذي يلزمك معرفته في هذا الباب ، فقد ذكرناه في باب كونه موجودا ، لأن المرجع بالقدم ليس إلا إلى استمرار الوجود ، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.
فصل والغرض به الكلام في كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفات
والأصل في ذلك ، أن هذه مسألة خلاف بين أهل القبلة.
فعند شيخنا أبي علي أنه تعالى يستحق هذه الصفات الأربع التي هي كونه قادرا عالما حيا موجودا لذاته.
__________________
(١) زيادة من المصحح.