من العلم بتلك الصناعة.
فإن قيل : هب أن القرآن معجزة ، وأن العرب علموا إعجازه لعلمهم بأنه قد تناهى في الفصاحة حدا ، وأنتم فبأي طريق علمتم معناه فيه يا معشر العجم.
كيف يعلم غير العرب إعجاز القرآن.
قلنا : إن العلم بذلك على وجهين : أحدهما علم تفصيل ، والآخر علم جملة ، والعرب علموا ذلك على سبيل التفصيل ، ونحن فقد علمناه على سبيل الجملة.
وطريقته ، هو أن محمدا صلىاللهعليهوسلم تحدى العرب بمعارضته فلم يمكنهم الإتيان بمثله ، فلو لا كونه معجزا دالا على نبوته ، وإلا لما كانت ذلك كذلك.
وإذ قد ثبت إعجاز القرآن ، فاعلم أن للمصطفى عليهالسلام معجزات أخر سواه ، غير أنا بدأنا بالقرآن الذي لا يبلى على وجه الدهر ولا يندرس على مرور الأيام ، لما كان أظهر من سائر ما نورده في هذا الباب ، ولا يمكن المخالف إنكاره بوجه.
بقية معجزات الرسول
وجملة ما له من المعجزات سوى القرآن ينقسم إلى : ما يعلم ضرورة ، وإلى ما يكون الطريق إليه الاستدلال.
ولا يمكن أن يقال : لو كان في معجزاته ما يعلم ضرورة لاشترك فيه المخالف والموافق ولعلمه كل عاقل ، فإن هذا هو الواجب في الضروريات ، لأن العلوم الضرورية تنقسم إلى : ما يكون من بداية العقول فيجب اشتراك العقل فيه ، وإلى ما يكون مستندا إلى طريقة نحو العلم بمخبر الأخبار ، ونحو العلم بالمدركات وغيرهما ، فإن ما هذا سبيله إنما يجب الاشتراك فيها عند الاشتراك في طريقه ، ولهذا الذي ذكرناه جاز في أصحاب الحديث أن يعلموا تقدم بعض غزوات النبي صلىاللهعليهوسلم على البعض ضرورة ، وإن كان لا يجب أن يعلمه كل واحد ، وهذا ظاهر لا إشكال فيه. إذا ثبت هذا ، فمن معجزاته التي تعد من الضرب الأول : إشباعه العدد الكبير والجم الغفير من الطعام اليسير ، وإشباع جماعة من الطعام لا يمكن إلا بزيادة أجزاء الطعام ، وذلك مما لا يمكن من القادرين بالقدرة ، بلا بد من أن يكون من جهة الله تعالى ، أظهره عليه ليدل على صدقه عليهالسلام.
فإن قيل : ما أنكرتم أن الهواء استحال طعاما ، لا أنه كثرت أجزاؤه.