بد من أن يفعل بنا ما نكون عنده أقرب إلى أداء الشكر عليها. فقد خلق هذه الصور غير تامة ليدعونا إلى الشكر على النعم ، إذ المعلوم أن أحدنا إذا رأى صورة ناقصة قبيحة فإنه يكون عند ذلك أقرب إلى أداء الشكر الواجب على تحسين صورته ، وإتمام خلقه.
فإن قيل : فهل يوجد في الأفعال ما يدل على أن فاعله جاهل؟ قلنا : لا ، لأن أقصى ما يقال في هذا الفعل ، المخرمش ، فذلك كما يقع من الجاهل قد يقع أيضا من العالم.
فإن قيل : فهل يوجد من الأفعال ما يدل على أن صاحبه ليس بعالم؟ قلنا نعم ، فإنا إذا علمنا أن أحدنا قد خلص داعيه إلى إيجاد الفعل محكما متسقا ، وكانت الموانع مرتفعة زائلة ثم لا يقع ، دل على أنه غير عالم به ، إذ لو علم به لأوقعه كما يريد.
ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب
ثم إنه رحمهالله أورد في آخر الفصل ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب.
وجملة القول في ذلك ، أنه يلزمه أن يعلم أنه تعالى كان عالما فيما لا يزال ، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة بجهل أو سهو ، وأنه عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصح أن تعلم عليها.
أما الذي يدل على أنه تعالى كان عالما فيما لم يزل ، فهو أنه لو لم يكن عالما فيما لم يزل وحصل عالما بعد إذ لم يكن ، لوجب أن يكون عالما بعلم متجدد محدث ، وذلك فاسد لما نبينه من بعد إن شاء الله تعالى.
وأما الذي يدل على أنه جل وعز يكون عالما فيما لا يزال ، هو أنه لا يستحق هذه الصفة لذاته ، والموصوف بصفة من صفات الذات لا يصح خروجه عنها بحال من الأحوال.
وأما الذي يدل على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات على الوجه الذي يصح أن تعلم عليها ، فهو أن المعلومات غير مقصورة على بعض العالمين دون بعض فما من معلوم يصح أن يعلمه عالم إلا يصح أن يعلمه سائر العالمين ، فيجب في القديم تعالى صحة أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصح أن تعلم عليها ، وإذا صح وجب ، لأن صفة الذات متى صحت وجبت. فهذه جملة الكلام في هذا الفصل.