يحدثه بقوله كن ، وهذه طريقته في الإعادة والإفناء ، لكنه ليس يلزمه ما يقوله هؤلاء المجبرة بأنه كان يجب أن لا يمكنه إحداث كن إلا بكن آخر ثم كذلك فلا ينقطع ، لأن غرضه بذلك أنه تعالى إذا أراد فعلا من الأفعال فإنما يفعله بأن يقول له هذا القول لا أنه لا يقدر على إحداثه إلا بهذه الطريقة ، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا قال : عطيتي لمن زارني درهم ، فكما أنه لا يقتضي ذلك أن يعطي كل من زاره ، وإنما يقتضي أنه إن أعطى فإنما يعطي هذا القدر ، كذلك في مسألتنا. وكذلك فلو قال : تعظيمي لمن دخل عليّ القيام ، فكما أن ذلك لا يقتضي أن يقوم لكل من دخل عليه ، وإنما يقتضي أنه إن عظم فإنما يعظم بهذه القدر ، كذلك في مسألتنا.
ما قاله رحمهالله فهذا هو العذر فيما ذكره ، غير أن طريقته هذه غير مرضية ، فلو كان ل «كن» أثر في الأحداث ، لكان لا يتغير بحسب اختلاف الفاعلين له ، بل كان يجب أن يؤثر ، سواء فعلناه أو فعله الله تعالى ، ومعلوم خلافه ، فصح لك أن هذه الطريقة غير مستقيمة ، وأن الصحيح في هذا الباب هو أنه تعالى إنما يحدث ما يحدثه بكونه قادرا على ما نقوله ، فهذه جملة ما يجب أن يحصل في هذا الباب.
الكلام في النبوات
ووجه اتصاله بباب العدل ، هو أنه كلام في أنه تعالى إذا علم أن صلاحنا يتعلق بهذه الشرعيات ، فلا بد من أن يعرفناها لكي لا يكون مخلا بما هو واجب عليه. ومن العدل أن لا يخل بما هو واجب عليه.
وقد بدأ رحمهالله ، بالدلالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وعلى آله وسلم لما كان هو المقصود بالباب. وقبل الشروع في ذلك نذكر الخلاف فيه ، ونمهد قاعدة تكون توطئة للباب ، وجوابا للمخالف.
البراهمة
واعلم ، أن المخالف في هذا الباب جماعة من البراهمة الذين يثبتون الصانع بتوحيده وعدله وينكرون النبوات ، ويقولون : إن ما أتى به الأنبياء ، نحو أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود ، وأعمال الحج نحو التلبية والهرولة ورمي الجمار والطواف ، كلها مستقبحة من جهة العقل منكرة ، لأن كل عاقل يستقبح بكمال عقله ذلك وينكره ، فيجب أن ترد ولا تقبل.