كما تفضل على الأطفال ، والمجانين وذلك مما لا يصح أيضا وقد اتفقت الأمة على المكلف إذا دخل الجنة فلا بد من أن يميز حاله من حال الولدان المخلدين ، وعن حال الأطفال والمجانين ، فليس إلا أن نقطع أنه لا تتساوى طاعات المكلف ومعاصيه وقد خالف في هذه الجملة الصوفية وبعض السادات وقالوا : إن بين الجنة والنار مواضع يقال لها الأعراف ، وعلى هذا قال تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) وذلك مما لا وجه له لأنه خرق الإجماع. وأما الأعراف المذكورة في القرآن فإنها مواضع في الجنة مرتفعة سميت بذلك لارتفاعها كما في عرف الديك والدابة وغيرهما.
الإحباط والتكفير :
وإذ قد تقررت هذه الجملة ، فاعلم أن المكلف لا يخلو ، إما تخلص طاعاته ومعاصيه ، أو يكون قد جمع بينهما ، وإذا كان قد جمع بينهما فلا يخلو ، إما أن تتساوى طاعاته ، ومعاصيه ، أو يزيد أحدهما على الآخر فإنه لا بد من أن يسقط الأقل بالأكثر ، وإن شئت أوردت ذلك على وجه آخر ، فقلت : إن المكلف لا يخلو ، إما أن يستحق الثواب أو أن يستحق العقاب من كل واحد منهما قدرا واحدا ، أو يستحق من أحدهما أكثر مما يستحق من الآخر. لا يجوز أن يستحق من كل واحد منهما قدرا واحدا لما قد مر ، وإذا استحق من أحدهما أكثر من الآخر فإن الأقل لا بد من أن يسقط بالأكثر ويزول ، وهذا هو القول بالإحباط والتكفير على ما قاله المشايخ.
المخالفون في الإحباط والتكفير :
وقد خالفنا في ذلك كثير من المرجئة ، وعباد بن سليمان الصيمري ، فإن مذهبه أن العقوبة لا تزول إلا بالتوبة ، فأما كثرة الطاعات فمما لا تأثير لها في ذلك ، غير أنه يثبت مزية لمن خلط الطاعات بالمعاصي لا يثبتها لمن خلصت معاصيه ، وتلك المزية والتفرقة إذا لم يرجع بهما إلى ما ذكرناه من الإحباط والتكفير لا يعقل ولا يثبت لهما معنى.
وجملة القول في ذلك ، هو أنا قد ذكرنا أن المكلف إما أن تخلص طاعاته أو معاصيه ، أو يجمع بينهما ويخلطه ، فإذا جمع بينهما فلا سبيل إلى التساوي على ما تقدم ، فليس إلا أن يكون أحدهما أكثر من الآخر والآخر أقل منه ، فيسقط الأقل بالأكثر ، وهذا هو الذي نعنيه بالإحباط والتكفير.