فأما الأول ، وهو أنه يكون من منصب مخصوص فلا بد من اعتباره لدلالة الإجماع ، فإن أبا بكر لما ادعى بحضرة الجماعة أن الأئمة من قريش لم ينكر عليه أحد.
وأما كونه عالما بحيث يصح معه مراجعة العلماء والفرق بين ضعيف الأقوال وقويها ، فإنه لو لم يكن عالما لم يمكنه القيام بشيء من هذه الأحكام التي احتيج إليه لمكانها ، فما من شيء منها إلا ومن لا علم له بهذه الجملة التي عددناها لا يتأتى منه تنفيذها.
وأما العفاف والورع ، فلأنه لو كان متهتكا لم يجز له تولية القضاة ولا تعديل الشهود وإقامة الحدود وسد الثغور بالإجماع. يبين ذلك ويوضحه ، أن بالاتفاق منع من جواز التولية من قبل قطاع الطريق ، فلا وجه لذلك إلا تهتكهم وتظاهرهم بالفسق ، فإذا كان الإمام بهذه الصفة لم يكن إماما ولا جاز التولي من قبله.
وأما الشجاعة وقوة القلب ، فلأنه لو لم يكن كذلك لم يمكنه تجييش الجيوش وسد الثغور والغزو إلى ديار الكفرة ، وقد ذكرنا أن هذه الأحكام هي التي أحوجت إلى الإمام.
طرق الإمامة :
وأما الفصل الرابع :
وهو الكلام في طرق الإمامة. فقد اختلف فيه ، فعندنا : أنه النص في الأئمة الثلاثة والدعوة والخروج في الباقي ، وعند المعتزلة : أنه العقد والاختيار وإليه ذهبت المجبرة ، ويحكى عن الجاحظ أن الطريق إلى الإمامة إنما هو كثرة الأعمال ، وإلى قريب من هذا ذهب عباد في طريق النبوة ، فقد قال : إن طريقها الجزاء على الأعمال ، وقالت الخوارج : إن طريقها الغلبة ، وقالت العباسية : بل طريقها الإرث ، وقالت الإمامية. والبكرية : إن طريقها النصر.
ونحن إذا أردنا تصحيح ما اخترناه من المذهب فلنا طريقان : أحدهما : هو أن نبدأ بالدلالة عليه ، والثاني : أن نبين فساد هذه المقالات كلها حتى لا يبقى إلا ما نقوله.
أما الذي يدل على ما ذهبنا إليه ابتداء : الإجماع ، فلا خلاف بين الأمة أن من