ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب
ثم إنه رحمهالله أورد في آخر هذا الفصل ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب.
وجملة القول في ذلك ، أنه يجب أن يعلم أنه تعالى كان سميعا بصيرا فيما لم يزل ، وسيكون سميعا بصيرا فيما لا يزال ، ولا يجوز خروجه عنها بحال من الأحوال ، لأن المرجع بذلك ليس إلى إلا إلى كونه حيا لا آفة به ، وهذا ثابت للقديم تعالى في كل حال ، ويعلم أنه لم يكن سامعا مبصرا فيما لم يزل ، ولا يكون سامعا مبصرا فيما لا يزال لفقد المسموع والمبصر ، ويعلم أنه مدرك للمدركات الآن ، وهي موجودة.
خلاف بين القاضي وشيخه أبي القاسم
وهذه مسألة خلاف بيننا وبين شيخنا أبي القاسم بن سهلويه الملقب بقاتل الأشعري ، وسبب تلقيبه به أنه ناظر الأشعري في مسألة فانقطع وحم ومات.
فعندنا أنه تعالى مدرك للمدركات أجمع ألما كان أو غيره ، وعنده أن الله تعالى مدرك للمدركات جملة ، ما عدا الألم واللذة.
والذي يدل على ما نقوله ، أن كونه تعالى مدركا لما يدركه ، إنما هو لكونه حيا لا آفة به ، وهذا حاله مع بعض المدركات كحاله مع سائرها ، فيجب أن يكون مدركا للجميع أو لا يكون مدركا لشيء منها. فأما أن يكون مدركا لشيء منها دون شيء فلا.
وشبهته في هذا الباب ، شبهتان اثنتان :
إحداهما ، أن الألم إنما يدرك بمحل الحياة في محل الحياة ، وهذا يستحيل على القديم تعالى فيجب أن لا يدركه.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن الواحد منا إذا أدرك الألم بمحل الحياة في محل الحياة فلأنه حي بحياة ، وليس كذلك القديم تعالى لأنه حي لذاته فلا تجب فيه هذه القضية. وصار الحال في الألم كالحال في الحر والبرد ، فكما لا يقال إنه تعالى لا يدركهما لأنهما يدركان بمحل الحياة في غير محل الحياة وهذا يستحيل في القديم تعالى لما كانت هذه القضية إنما وجبت في الواحد منا لأنه حي بحياة ، وليس كذلك القديم ، كذلك في مسألتنا.
والثانية ، هو أنه تعالى لو كان مدركا للألم واللذة لوجب أن يسمى ألما وملتذا ،