والتكدير ، حتى يقال في المثل : الانتظار يورث الاصفرار ، والانتظار الموت الأحمر ، وهذه الحالة غير جائزة على أهل الجنة.
وجوابنا أن الانتظار لا يقتضي تنغيص العيش على كل حال ، وإنما يوجب ذلك متى كان المنتظر لا يتعين وصول ما ينتظره إليه ، أو يكون في جنس ولا يدري متى يتخلص من ذلك وهل يتخلص أم لا ، فإنه والحال هذه يكون في غم وحسرة ، فأما إذا تيقن وصوله فلا يكون في غم وحسرة ، خاصة إذا كان في حال انتظاره في أرغد عيش وأهنئه ، ألا ترى أن من كان على مائدة وعليها ألوان الطعام اللذيذة يأكل منها ويلتذ بها ، وينتظر لونا آخر ويتيقن وصوله إليه ، فإنه لا يكون في تنغيص ولا تكدير ، بل يكون في سرور متضاعف ، حتى لو قدم إليه الأطعمة كلها لتبرم بها. كذلك حال أهل الجنة لا يكونون في غم وتنغيص إذا كانوا يتقينون وصولهم إلى ما ينتظرون على كل حال.
الأدلة العقلية :
ولما فرغ رحمهالله من الاستدلال بالسمع على هذه المسألة استدل بالأدلة العقلية.
دليل المقابلة الرؤية بالحاسة :
وبدأ منها بدلالة المقابلة ، وتحريرها هو أن الواحد منا راء بحاسة ، والرائي بالحاسة لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل ، وقد ثبت أن الله تعالى لا يجوز أن يكون مقابلا ، ولا حالا في المقابل ، ولا في حكم المقابل.
وهذه الدلالة مبنية على أصول :
أحدها : أن الواحد منا راء بالحاسة.
والثاني : أن الرائي بالحاسة لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل.
والثالث : أن القديم تعالى لا يجوز أن يكون مقابلا ولا حالا في المقابل.
أما الأول ، فالذي يدل عليه أن أحدنا متى كان له حاسة صحيحة ، والموانع مرتفعة ، والمدرك موجود ، يجب أن يرى ، ومتى لم يكن كذلك استحالة أن يرى ،