السلام ، قلنا : إنه إنما علم ذلك من جهة الله تعالى بأن يبين له أن صلاح أمة محمد لا يتغير عما هو عليه ، ولا يمكنكم ادعاء هذه الطريقة في كلام موسى عليهالسلام ، فبان الفصل بين الموضعين.
فإن قالوا : إن شريعة موسى تشتمل على الأوامر والنواهي ، والأمر بمطلقه يقتضي التكرار ، وما هذا سبيله لا يصح ورود النسخ عليه. قلنا : أول ما في ذلك أن الأمر يقتضي التكرار بمطلقه عندنا ، وإنما يفيد الفعل مرة واحدة ، لأنه يتنزل منزلة قول القائل : أريد منك أن تفعل كذا ، ومعلوم أن ذلك مما لا يقتضي الفعل إلا مرة واحدة ، فكذلك الأمر فإنه في مثل حاله.
وبعد ، فلو ثبت أن الأمر بمطلقه يقتضي التكرار والدوام ، فإنه لا يمنع من ورود النسخ عليه ، بل يصح أن ينسخ كما يصح أن ينسخ غيره ، لأجل أن دلالة الأمر على ما يدل عليه ، كما هو مشروط بزوال العجز والمرض وما جانس ذلك ، فلا بد أن يكون مشروطا بألا يتغير الصلاح ، فأما إذا تغير فلا ، وفي ذلك صحة ما قلناه من أن ما هذا سبيله يصح ورود النسخ عليه. وتفصيل الكلام في ذلك موضوعه أصول الفقه.
فصح لك بهذه الجملة قول هؤلاء اليهود ، الذين قالوا : إن نسخ الشرائع جائز من جهة العقل ، غير أن الشرع منع من ذلك.
وأما الكلام على الفرقة الذين قالوا : إن نسخ الشريعة جاء من جهتي الشرع والعقل ، إلا أنا أنكرنا نبوة محمد نبيكم حيث عدم المعجز ، فهو أن نبين لهم في فصل عقيب هذا الكلام ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يعدم العلم المعجز الدال على صدقه ، وأن الله تعالى أيده بالأعلام الباهرة.
وأما الذين قالوا : إن محمدا كان مبعوثا إلى العرب من دون سواهم ، فإن الكلام عليهم هو أن نقول لهم : إنه صلىاللهعليهوسلم إذا ادعى أنه مبعوث إلى الكافة ثم صدقه الله تعالى بالأعلام المعجزة ، فإنه لا بد من أن يكون مبعوثا إلى الأحمر والأسود.
فصل
الفرق بين النسخ والبداء وحقيقتهما
إن قال قائل : ما الفصل بين النسخ والبداء وما حقيقتهما ، فإن أكثر كلامكم المتقدم مبني عليه ويتعلق به. قيل له :