وهذا غير ثابت في العقاب ، وتأثيره في الثواب فإنه إنما يؤثر في إزالته بطريقة المقابلة على الحد الذي كشفناه ، فهذه جملة ما ذكروه في هذه المسألة.
فصل
واتصل بهذه الجملة الكلام في الصغيرة والكبيرة ، وما يتعلق بهما لأننا إذا قلنا : إن ما يستحقه المرء على الكبيرة من العقاب يحبط ثواب طاعاته ، وما يستحقه على الصغيرة مكفر في جنب ماله من الثواب لم يكن بد من بيان معنى الكبيرة والصغيرة.
وجملة ذلك ، أن الكبيرة في عرف الشرع هو ما يكون عقاب فاعله أكثر من ثوابه إما محققا وإما مقدرا. وقد يستعمل ذلك على وجهين آخرين لا نذكرهما هاهنا ، فليس المقصود هاهنا إلا ما ذكرناه.
وأما الصغيرة ، فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه ، إما محققا وإما مقدرا ، واحترزنا في الموضعين بقولنا : إما محققا وإما مقدرا عن الكافر ومن لم يطع البتة ، فإنه قد وقع في أفعاله الصغيرة والكبيرة ، على معنى أنه لو كان له ثواب لكان يكون محبطا بما ارتكبه من المعصية ، أو يكون عقاب ما أتى به من الصغيرة مكفرا في جنب ما يستحقه من الثواب.
وقد أنكرت الخوارج أن يكون في المعاصي صغيرة ، وحكمت بأن الكل كبيرة.
الخلاف بين أبي علي وأبي هاشم حول العلم باشتمال المعاصي على صغير وكبير :
ولا خلاف في ذلك بين شيخنا أبي علي وأبي هاشم ، وإنما الخلاف بينهما في هل يعلم عقلا اشتمال المعاصي على صغير وكبير أولا يعلم ذلك إلا شرعا.
فذهب أبو علي إلى أن ذلك لا يعلم إلا شرعا ، وقال : لو خلينا وقضية العقل لكنا نحكم بأن المعاصي كلها كبائر ، فمعلوم أن أقل قليل المعاصي يستحق عليها جزءان من العقاب ، وأقل قليل الطاعات يستحق عليها جزءا واحدا من الثواب ذلك لما للقديم تعالى علينا من النعم ، ويجعل ذلك أحد الوجوه التي تعظم المعصية لأجلها ، ويشبه ذلك بإساءة الولد إلى الوالد الشفيق البار ، قال : فكما أن ذلك أعظم من الإساءة إلى الأجنبي ، كذلك الحال هاهنا ،
فإن قيل : وما تلك الدلالة الشرعية التي دلتكم على أن في المعاصي ما هو كبير