لكان ذلك المحدث لا يخلو ، إما أن يكون نفس القديم تعالى ، أو غيره من القادرين بالقدرة ، لا يجوز أن يكون غيره من القادرين بالقدرة لأن القادر بالقدرة لا يصح منه إيجاد الحياة ، إذ لو صح ذلك منه لصح أن يتخذ لنفسه ما شاء من العبيد والأولاد ، والمعلوم خلافه. على أن كوننا أحياء يترتب على كونه تعالى حيا فوجب أن لا يحصلان ولا واحد منهما. وإذا كان محدثها القديم تعالى وجب أن يترتب كونه تعالى حيا على كونه قادرا ، مع أن من حق كونه قادرا أن يترتب عليه.
وهكذا الكلام في كونه موجودا.
وكونه عالما ، فقريب من هذا ، لأنه تعالى لو كان عالما بعلم محدث ، والمحدث لا بد من محدث ، لكان لا يخلو ، إما أن يكون نفس القديم تعالى ، أو غيره من القادرين بالقدرة على ما قد مر في نظائره ، ولا يجوز أن يكون نفس القديم تعالى لأنه لا بد من أن يكون عالما قبل وجود هذا العلم حتى يصح منه إيجاده ، وهذا يقتضي أن يقف كونه عالما على وجود هذا العلم من قبله ، ووجود العلم من قبله على كونه عالما ، فلا يحصلان ولا واحد منهما.
فإن قيل : ومن أين أنه تعالى لا بد من أن يكون عالما قبل وجود العلم ، حتى يصح منه إيجاده؟
قلنا : لأن العلم يجري مجرى الفعل المحكم ، لأنه اعتقاد واقع على وجه مخصوص ، فلا يتأتى إيقاعه على ذلك الوجه إلا ممن هو عالم به.
وهذه الدلالة مبنية على أصول ، أحدها أن العلم من قبيل الاعتقاد ، والثاني ، أنه اعتقاد واقع على وجه مخصوص ، والثالث ، أنه لا يقع على ذلك الوجه إلا ممن هو عالم به.
قول أبي الهذيل مخالفا القاضي : العلم غير الاعتقاد
أما الأول ، فقد خالفنا فيه شيخنا أبو الهذيل ، وقال : إن العلم جنس برأسه غير الاعتقاد.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه ، هو أن العلم لو لم يكن من قبيل الاعتقاد لصح انفصال أحدهما عن الآخر إذ لا علاقة بينهما من وجه معقول ، فكان يصح أن يكون أحدهما عالما بالشيء ولا يكون معتقدا له ساكن النفس إليه ، أو يكون معتقدا ساكن