على بعده منه لا يصح ، لأن التوبة بما ذكرناه من أنها بذل الجهد في تلافي ما فرط منه لا بد من أن تسقط عقوبة سائر المعاصي ، ولهذا تسقط عقوبة الكفر مع أنه أعظم حالا من القتل ، لا لوجه سوى ما قلناه.
واعلم أن التوبة إن كانت توبة عن القبيح فإن صورته أن يندم على القبح لقبحه ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح ، وإن كانت توبة عن الإخلال بالواجب فإن صورته أن يندم على الإخلال به لكونه إخلالا بالواجب ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في ذلك.
شروط التوبة :
ولا بد من اعتبار الندم والعزم جميعا حتى تكون التوبة توبة صحيحة ، فإنه إن ندم ولم يعزم أو عزم ولم يندم لم يكن تائبا توبة نصوحا.
وكما لا بد من اعتبارهما جميعا فلا بد من أن يكون الندم ندما على القبيح لقبحه ، وكذلك العزم عزما على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح ، إذ لو ندم على القبيح لا لقبحه بل لوجه آخر ، أو عزم على أن لا يعود إلى أمثاله لا لقبحه ، لم يكن تائبا فحصل لك أن المرء لا يكون تائبا توبة نصوحا إلا إذا ندم على القبيح لقبحه وعزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح.
اقتران الندم بالعزم :
ولسنا نعني به أن يندم على القبيح اليوم ويعزم على ترك أمثاله غدا ، بل لا بد من اقتران الأمرين أحدهما بالآخر ، فلو انفصلا لم تصح توبته ، وهذا كله لأن من حق التائب أن يجعل نفسه في الحكم كأنه لم يفعل من القبيح ما فعله ، ولن يتأتى ذلك إلا على الطريقة التي ذكرناها من قبل. فإن قيل : وما الأصل في التوبة من هذين الأمرين : الندم أو العزم ، أو كل واحد منهما أصل برأسه؟ قيل له : بل الأصل بينهما إنما هو الندم والعزم شرط.
العزم أصل والندم شرط :
فإن قيل : فمن أين ذلك ولا تتم التوبة إلا بمجموع الأمرين؟ قلنا : لأن التوبة إنما تجب على ما مضى فلا بد من أن يكون الأصل فيهما أمرا يتعلق بالماضي ، والذي يتعلق بالماضي من هذين الأمرين ليس إلا الندم فإن العزم لا يتعلق بالماضي البتة ، إذ