اعلم أن الكفر في أصل اللغة إنما هو الستر والتغطية ، ومنه سمي الليل كافرا لما ستر ضوء الشمس عنا وقال الشاعر :
حتى إذا ألقت ذكاء يمينها في كافر وقال آخر :
حتى إذا ألقت يدا في كافر |
|
وأجن عورات الثغور ظلامها |
ومنه سمي الزراع كافرا لستره البذر في الأرض ، قال الله تعالى : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [التوبة : ١٢٠] أي الزراع ، هذا في اللغة.
وأما في الشرع فإنه جعل الكافر اسما لمن يستحق العقاب العظيم ، ويختص بأحكام مخصوصة نحو المنع من المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين ، وله شبه بالأصل ، فإن من هذه حالة صار كأنه جحد نعم الله تعالى عليه وأنكرها ورام سترها.
إذا ثبت هذا ، ومعلوم أن صاحب الكبيرة ممن لا يستحق العقاب العظيم ، ولا تجري عليه هذه الأحكام ، فلم يجز أن يسمى كافرا.
الكلام على الخوارج :
والأصل في الكلام على الخوارج أن نحقق عليهم الخلاف ، فنقول : إن هذا الخلاف إما أن يكون خلافا من جهة اللفظ ، أو من طريق المعنى.
فإن خالفتمونا من حيث اللفظ ، وقلتم : إن صاحب الكبيرة يسمى كافرا فلا يصح ، لأنا قد ذكرنا أن الكافر اسم لمن يستحق العقاب العظيم ويستحق أن تجري عليه هذه الأحكام المخصوصة ، وليس كذلك الفاسق.
وإن خالفتمونا من جهة المعنى ، وقلتم : إنه يستحق العقاب العظيم ويستحق إجراء هذه الأحكام عليه كالكافر سواء ، قلنا : إن هذا خلاف ما عليه الصحابة والتابعون ، فإنهم اتفقوا على أن صاحب الكبيرة لا يحرم الميراث ولا يمنع من المناكحة والدفن في مقابر المسلمين.
هذا على الجملة ، وإذا أردت تفصيل ذلك فعليك بسيرة أمير المؤمنين عليهالسلام في أهل البغي ، ومعلوم أنه لم يبدأ بقتالهم ولم يتبع مدبريهم ، وكذلك فلم يسمهم