معنى الاتحاد
وأما الكلام في الاتحاد ، فالأصل فيه أن نبين حقيقته أولا.
اعلم أن الاتحاد في اللغة افتعال من الوحدة ، لأنهم متى اعتقدوا في الشيئين أنهما صارا شيئا واحدا يقولون : إنهما اتحدا. والشيئان وإن استحال أن يصيرا شيئا واحدا ، إلا أنهم إذا اعتقدوا صحته لم يكونوا مخطئين في التسمية ، وإنما خطؤهم في المعنى على مثل ما نقوله في تسميتهم للأصنام آلهة ، وهذا لأن الأسامي تتبع اعتقادهم.
النساطرة : اتحاد المشيئة ، اليعقوبية : اتحاد الذات
وإذا قد عرفت ذلك ، فاعلم أنهم وإن اتفقوا في الاتحاد اختلفوا في كيفيته ، فمنهم من قال بالاتحاد من جهة المشيئة وهم النسطورية ، ومنهم من قال إنه من جهة الذات وهم اليعقوبية.
النساطرة والاتحاد
ونحن نبدأ بالكلام على النساطرة فنقول : قولكم أنه تعالى اتحد بالمسيح من حيث المشيئة ، لا يخلو ، إما أن تريدوا به أنه تعالى مريد بإرادة المسيح ، وأن المسيح يريد بإرادة الله تعالى الموجودة لا في محل ، أو تريدوا به أنهما لا يختلفان في الإرادة ، بل لا يريد أحدهما إلا ما يريده صاحبه ، وأي هذه الوجوه أردتم فهو فاسد.
أما الأول ، فلأنه تعالى لو جاز أن يريد بإرادة المسيح مع أنها موجودة في قلبه لجاز أن يريد بإرادة موجودة في قلب غيره من الأنبياء ، وذلك يخرج المسيح من أن يتبين له مزية الاتحاد والنبوة.
وبعد ، فلو جاز أن يريد بإرادة في المسيح لجاز أن يكره بكراهة في إبراهيم عليهالسلام ، لأن بعد أحدهما في العقل كبعد الآخر ، وذلك يقتضي أن يكون حاصلا على صفات متضادة ، وذلك مستحيل.
وأما الثاني ، فلأن الإرادة لا توجب للغير حالا إلا إذا اختصت به غاية الاختصاص ، والاختصاص بالمسيح هو بطريقة الحلول ، حتى يستحيل أن يريد بإرادة في قلب غيره ، لا لوجه سوى أنها لم تحله ، فكيف يريد بالإرادة الموجودة لا في محل ولا اختصاص لها به.