وجوابنا ، أن هذا التقدير محال ، فلا جرم أن الجواب عنه أيضا محال. فنقول : خطأ قول من يقول : إنه يدل على كونه جاهلا ، وخطأ قول من يقول : لا يدل على ذلك ، وهذا أولى مما يقوله مشايخنا البغداديون : أنه تعالى يعلم وجود الإيمان منه ، لأن هذا والحال هذه تجويز البدل على صفات الله تعالى ، وذلك شر مما تجوزه النجارية ، فالأولى ما قلناه.
وصار الحال في ذلك ، كالحال فيما إذا دلت الدلالة على أنه تعالى عدل حكيم لا يفعل القبيح ، ودلت الدلالة أيضا على أن الظلم يدل على جهل فاعله ، ثم يقدر فيقال : لو وقع من جهة الله تعالى الظلم ، هل يدل على جهله وحاجته أم لا يدل؟ فكما أنا نحيل السؤال ولا نجيبه بلا ولا بنعم ، بل نقول خطأ قول من يقول : إنه يدل على جهله وحاجته ، وخطأ قول من يقول : لا يدل ، كذلك في مثلنا.
ويمكن أن يكون لذلك مثال في الشاهد فيقال : لو أخبرنا صادق بأن هذا البيت لا يدخله قرشي فإنا نعلم ذلك ، فلو قال قائل : لو قدرنا أن يدخله قرشي ، أفتعلمون أنه لا يدخله قرشي أم لا تعلمون ذلك؟ قلنا : إن هذا التقدير محال فنحيل السؤال عنه ، ولا نجيب بلا ولا بنعم ، بل نقول : خطأ من يقول : نعلم أنه لا يدخله ، وخطأ قول من يقول : لا نعلم أنه لا يدخله ، كذلك في مسألتنا.
شبه المخالفين :
وللمخالف في هذا الباب شبه :
من جملتها ، هو أنهم قالوا : إن الفعل كما يحتاج عند الصحة إلى أمر ، يجب أن يحتاج عند الوقوع إلى أمر. كما أن كون الجوهر متحركا لما احتاج إلى أمر عند الصحة وهو الحيز ، وجب احتياجه عند الوجوب إلى أمر وهو الحركة.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا جمع بين أمرين من غير علة تجمعهما ، فلا يصح.
ثم يقال لهم : لو وجب ما ذكرتموه في الواحد منا ، لوجب مثله في القديم تعالى ، والمعلوم أنه تعالى لا يحتاج في إيقاع الفعل إلى أمر زائد على ما يحتاج إليه في صحة الفعل. فإن قالوا : إنه يحتاج إلى أمر زائد وهو الإرادة ، قلنا : لو كان كذلك لوجب قدم العالم ، لأنه تعالى مريد لذاته عندكم أو بإرادة قديمة ، فيلزم قدم العالم.