حجته إن لو قدروا.
فإن قيل ، لم يقع النزاع في ذلك ، فمعلوم أنهم كانوا في غاية الحرص على دفعه بما أمكن ، وإنما الكلام في أن ذلك لم يمكنهم إلا بالمعارضة وذلك مما لا وجه ، فإن القوم لم يعلموا طريقة المعارضة والحجاج ، ولو علموا ذلك تقديرا ، فلم يعلموا أن أمره يبطل بالمعارضة.
قيل له : أما الأول ، فلا يصح ، لأن المعارضة كانت عادتهم ، ولهذا لم يأت شاعر بقصيدة فيما بينهم إلا وشاعر آخر يعارضه أو رام معارضته ، وهذا معلوم من حال شعرائهم ، نحو امرئ القيس وعلقمة وأشباههما ، وأما الثاني ، فباطل أيضا ، لأن كل أحد يعلم أن خصمه إذا أتاه بأمر وادعى لمكانه منزلة عظيمة عليه ، وتحداه بمعارضته ، فإنه متى عارضه فقد أبطل دعواه ، وهذا مما لا يخفى على الصبيان فكيف على دهاة العرب ، فإن صبيا لو تحدى صبيا آخر ، وقال : إني أطفر هذا الجدول أو أشيل هذا الحجر وأنت لا تقدر عليه ، فإن الصبي الآخر يعلم أن دعواه تبطل بطفره ذلك الجدول أو بإشالته ذلك الحجر ، فكيف يصح ما ذكره.
فإن قيل : إنهم أرادوا استئصاله فلهذا عدلوا عن المعارضة إلى المقاتلة ، لا لأنهم عجزوا عن ذلك ولم يقدروا عليه. قلنا : لو لا عجزهم عن الإتيان بمعارضة القرآن ، وإلا كانوا لا يريدون استئصاله ، فلما أرادوا ذلك واشتغلوا به ، دلنا على عجزهم عن المعارضة على ما ذكرناه.
يبين ذلك ويوضحه ، أن هؤلاء الذين طولبوا بالمعارضة ، لو قدروا عليها لكان تكون المعارضة عليهم أسهل من استئصال محمد عليهالسلام ومكانه في العرب المكان الذي كان ، ولا يليق بالعاقل البالغ الكامل العقل العدول عن الأمر السهل إلى الأمر الصعب إلا إذا لم يرتفع غرضه بالأمر السهل ، فحينئذ يعذر في العدول عنه إلى ما هو أصعب منه ، إلا فكيف اختاروا المقاتلة وهو صعب جدا ، على المعارضة التي كانت أسهل عليهم من كل شيء؟ فلما اشتغلوا بالمقاتلة وأبوا إلا المحاربة التي كانت من المجوز أن لا يرتفع غرضهم بها بأن تكون الدائرة عليهم وتركوا المعارضة التي كانت عندهم بزعمهم بمنزلة الأكل والشرب والقيام والقعود ، تبيّنا عجزهم وقصورهم عن المعارضة على ما ذكرنا.
فإن قيل : الغرض بالمقاتلة إنما كان إبطال دعواه وحسم مادته ، والقوم فقد علموا