كالواسطة فيه ، ولا يقع أخرى بأن لا يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه.
يزيد ذلك توضيحا ، أن السبب لا يمتنع حصوله ثم لا يحصل المسبب ، بأن يعرض عارض فيمنعه من التوليد ، ومتى وجب حصوله عند حصول السبب وزوال الموانع فإن حاله كحال المبتدأ عند تكامل الدواعي ، فإنه يحصل لا محالة ، فمن أين الفرق بينهما؟.
وبعد ، فإن المتولد إذا كان مما يثبت لأحوالنا فيه تأثير حتى يقف على قصدنا ودواعينا ويثبت فيه المدح والذم كما في المبتدأ سواء فما وجه الفرق؟ وكيف يعلق المراد بالطبع والإرادة باختيار الفاعل مع أن الحالة فيهما على سواء. فإما أن يعلقا جميعا بالطبع ، أو يضافا إلى الفاعل. فأما أن يجعل أحدهما واقعا بالطبع ، والآخر باختيار الفاعل فلا.
وبعد ففي تعليق هذه الحوادث بالطبع تعليق لها بما لا يعقل على ما أبطلنا به قول أصحاب الطبائع ، وإن كانوا عند التحقيق أدخل في العذر من هؤلاء ، لأنهم حين نفوا الصانع لم يكن لهم بد من أن يعلقوا ذلك بأمر موجب ، فأما هؤلاء فقد أثبتوا الفاعل المختار ، فما عذرهم في تعليق هذه الأمور بالطبع.
على أن هذا يوجب عليهم أن لا تقع لهم الثقة بالنبوات لتجويزهم حصول المعجزات بطبع الحل ، ويوجب عليهم القول : بأن هذه الأعراض التي هي أصول النعم من الحياة والقدرة الشهوة كلها حاصلة بطبع المحل ، وفي ذلك إخراج القديم تعالى عن أن يكون مستحقا للعبادة ، بل يلزمهم إضافة هذه القبائح التي تشتمل عليها المتولدات إلى الله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
من جعل المتولدات حدثا لا محدث له :
وأما من جعل هذه الحوادث حدثا لا محدث له فقد أبعد ، فيلزمه القول بذلك في جميع الحوادث ، لأنه لا فرق بين بعضها والبعض في الاحتياج إلى محدث وفاعل ، ولئن راعى الجواز واعتبره ، فإن ذلك ثابت في المتولدات ثباته في المبتدأ ، لما قد بينا أنه لا يمتنع حصل السبب ولا يولد ، بأن يعرض له عارض فيمنعه من التوليد ، فإن المسبب يقع مع الجواز كالمبتدإ سواء ، ولئن جاز إخراج المسبب عن التعلق بالفاعل لوجوب حصوله عند وجود السبب وزوال الموانع لوجب إخراج المبتدأ أيضا عن تعلقه بالفاعل لوجوب وقوعه عند توفر الدواعي وتكاملها ، وإلا فما الفرق؟ وبهذه الطريقة