وبعد ، فإن العرب متى اعتقدوا أن الظلم تعلق بأحدنا تعلق الفعل بفاعله سموه ظالما وإن لم يعرفوا تفرده به ، ومتى لم يعتقدوا ذلك لم يسموه به. يبين ذلك ، أنهم شاهدوا جماعة اشتركت في قتل مسلم سموهم ظلمة ، وكل واحد منهم ظالما ، ولم يعتقدوا تفردهم بالظلم بل عرفوا الاشتراك ، ففسد ما ظنوه.
وبعد ، فإن الله تعالى لو تفرد بالظلم لما زاد حاله على حاله الآن ، وقد تعلق به سائر الظلامات على سائر وجوهها وحقائقها.
لم لا يكون الظالم اسما لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره :
فإن قيل : ما أنكرتم أن الظالم اسم لمن لم يجعل الظلم سكبا لغيره ، والله تعالى جعل الظلم كسبا لنا فلا يجب أن يسمى ظالما. قلنا : إن هذا السؤال مع ركاكته يدل على عمى قلب السائل ، لأن فحوى هذا الكلام ، أن الظالم اسم لمن جعل الظلم كسبا لنفسه ، وهذا يوجب أن لا يكون أحدنا ظالما ، لأنه لم يجعل الظلم كسبا لنفسه ، وإنما جعل ذلك كسبا له.
وبعد ، فإن قولنا ظالم إثبات ، وأنه لم يجعل الظلم كسبا لغيره نفي ، ولا يجوز أن يرجع بالإثبات إلى النفي ، كما في العادل والرازق.
وبعد ، فلو جاز أن يكون الظالم اسما لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره ، لجاز أن يكون العادل اسما لمن لم يجعل العدل كسبا لغيره ، وكذا الكلام في المحسن ، والمنعم ، والمتفضل ، والمعلوم خلافه.
وأيضا ، فإن أهل اللغة لم يعلموا أن الكسب على الوجه الذي تقولونه أصلا ، فكيف يقال إن الظالم عندهم اسم لمن لم يجعل الظلم كسبا لغيره ، فإن قيل : إنهم كما لم يعلموا الكسب لم يعلموا أيضا الحدوث فيجب أن لا يكون أحدنا محدثا لتصرفاته ، قلنا : إن العرب وإن لم يعلموا صفة المحدث على الحد الذي نقوله ، فقد علموا الفرق بين ما يقف على قصدنا ودواعينا ويثبت لأحوالنا فيه تأثير ، وبين ما لا يقف على قصدنا ودواعينا ولا يثبت لشيء من أحوالنا فيه تأثير.
فإن قيل : أليس أنه تعالى يخلق الحركة ولا يكون متحركا ، ويخلق الولد ولا يكون والدا ، فهلا جاز أن يخلق الظلم ولا يكون ظالما؟ قلنا : هذا لا يصح ، لأنه ما من فعل من الأفعال يفعله القديم تعالى إلا وقد اشتق له منه اسم ، إلا أفعالا معدودة