أن يكون احتياجه إلى ذلك لمجرد هذه الصفة ، ومجرد هذه الصفة ثابت في القديم تعالى ، فيجب أن يكون عالما بعلم.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن العالم منا يحتاج إلى العلم لا لمجرد هذه الصفة ولا لجوازها ، بل لتجددها مع جواز أن لا تتجدد ، وهذا غير ثابت في القديم تعالى ، فلا يجب أن يكون عالما بعلم.
ثم يقال لهم : إن الموجود منا يحتاج إلى موجود ، فلا يخلو ، إما أن يكون احتياجه إلى هذا الموجود لمجرد الصفة ، أو لجوازها. لا جائز أن يكون احتياجه إلى ذلك لجواز هذه الصفة لأن الجواز ثابت في المعدوم فلا يحتاج إلى الموجود ، فلم يبق إلا أن يكون احتياجه إلى موجد يوجده لمجرد الوجود ، وهذا ثابت في القديم تعالى فيجب أن يحتاج إلى موجد يوجده ، فكما أنهم يقولون إن الموجود منا لا يحتاج إلى موجد لمجرد هذه الصفة ولا لجوازها ، بل إنما يحتاج إلى ذلك لتجدد هذه الصفة مع جواز أن لا تتجدد ، وهذا غير ثابت في القديم تعالى ، كذلك في مسألتنا.
فهذا هو الكلام فيما استدلوا به ابتداء على أنه تعالى عالم بعلم ، والجواب عنه.
الضرب الثاني من شبههم على أنه تعالى عالم لذاته وقولهم إنه عالم بعلم
وأما الضرب الثاني من شبههم ، فنحو قولهم : أنه تعالى لو كان عالما لذاته ، لوجب أن تكون ذاته بصفة العلم ، لأن العلم إنما يتبين عما ليس بعلم بإيجابه كون الذات عالما ، حتى لو لم يوجب ذلك لم يكن علما. وربما يغيرون العبارة فيقولون : إنه تعالى لو كان عالما لمعنى ، لوجب في ذلك المعنى أن يكون بصفة العلم ، وكذلك إذا كان عالما لذاته وجب في ذاته أن تكون بصفة العلم ، وفي ذلك ما نريده.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أنهم إنما يوردون هذه الشبهة لاعتقادهم الخطأ فينا ، أنا سلكنا في قولنا أنه تعالى عالم لذاته طريقة التعليل ، وجعلنا ذاته تعالى كالعلة في هذه الصفة ولا يحتاج إلى شيء آخر ، وصار الحال في ذلك كالحال في قولنا في الجوهر أنه جوهر لذاته ، على معنى أن ذاته كاف في حصول هذه الصفة وأن به يقع الاستغناء عما عداه ، فكيف يصح كلامهم.
وأما قولهم : إن العلم يتبين عما ليس بعلم بإيجابه كونه الذات عالما ، حتى أنه لو لم يوجب خرج عن كونه علما فليس بأولى من أن يعكس فيقال : إنما أوجب كون العالم عالما لكونه علما ، حتى أنه لو لم يكن علما لم يكن ليوجب هذه الصفة ، وهذا