ولا يجوز أن يقال أيضا : إن المؤثر هو وجود المدرك ، لأنه لو كان كذلك لجاز أن يدرك الحي منا المدرك وإن غمض عينيه ، والمعلوم خلافه.
ومتى قيل إن فتح الجفن شرط ، قلنا : إن العلة لا يجوز أن تقف في باب الإيجاب على شرط منفصل عنها ، وأيضا فإن أحدنا قد يدرك السواد الحال في محل منفصل عنه ، ولو كان علة في كونه مدركا لم يجز ذلك ، لأن من حق العلة أن تختص بالمعلول غاية الاختصاص ، وهذا السواد مما لا اختصاص له به ولا تعلق. وأيضا فلو كان وجود المدرك علة في كون الحي مدركا ، لوجب إذا أدرك السواد في محل والبياض في محل آخر ، أن يحصل على صفتين ضدين وذلك مستحيل.
فإن قال : إنما لم يجب ذلك لتغاير بحالهما ، قلنا : الصفتان إذا تضادتا على الجملة فلا فرق فيما يوجبهما بين أن يكون في محل واحد وبين أن يكون في محال متغيرة ، ألا ترى أن العلم والجهل لما تضادا على الجملة لم تقترن الحال بين أن يكون محلهما واحدا وبين أن يكون محلهما متغايرا ، لذلك فالإرادة والكراهة لما كان تضادهما على الجملة ، لم يفترق الحال فيه بين أن يكون محلهما واحدا وبين أن يكون متغايرا ، حتى أنه كما أنه لا يجوز أن يريد الشيء ويكرهه بإرادة وكراهة موجودتين في جزء من قبله ، كذلك لا يجوز أن يكون مريدا وكارها لذلك الشيء الواحد بإرادة في جزء من قلبه وكراهة في جزء آخر من قلبه ، كذلك في مسألتنا. فهذه جملة ما يحصل في ذلك.
شبه حول الإدراك وكونه صفة لله
واعلم ، أن المخالف أورد شبها في هذا الباب.
من جملتها ، أن القديم لو حصل مدركا بعد أن لم يكن مدركا لوجب أن يكون مدركا بإدراك ، كما أن الجسم لما تحرك بعد أن لم يكن متحركا وجب أن يكون متحركا بحركة ، وذلك محال.
والجواب عنها ، أن الفرق بين الموضعين هو أن الجسم حصل متحركا مع الجواز ، وليس كذلك المدرك فإنه لم يحصل مدركا مع الجواز ، بل حصل على هذه الصفة مع وجوب أن يحصل عليها ، ففارق أحدهما الآخر.
ومنها ، هو أن قالوا : لو حصل القديم تعالى مدركا لوجب أن يكون قد تغير ،