على أن الذات لا تتعدد بتعدد أوصافه ، فإن الجوهر الواحد وإن كان موصوفا بكونه جوهرا ومتحيزا وموجودا وكائنا في جهة ، فإنه لا يتعدد بتعدد هذه الأوصاف ولا يخرج عن كونه واحدا ، فكيف أوجبتم تعدد الله لتعدد أوصافه ، ولم جعلتموه واحدا أو ثلاثة؟
وبعد ، فإن هذه الطريقة توجب عليكم أن تزيدوا في عدد الأقانيم بعدد صفاته جل وعز وأن تثبتوا له أقنوما بكونه قادرا ، وأقنوما بكونه عالما ، وآخر بكونه مدركا ، ورابعا وخامسا بكونه مريدا وكارها حتى يبلغ عدد الأقانيم ثمانية أو تسعة ، وقد عرف فساه.
هذا إن رجعوا بالأقانيم إلى الصفات. وإن قالوا : إنا إنما نرجع بها إلى معان قديمة هي الحياة والكلمة ، فقد فسدت مقالتهم بدلالة التمانع ، وبما أوردنا على الكلابية.
النصارى والكلابية
واعلم ، أن أقرب ما يحمل عليه كلام النصارى هو هذا الوجه ، وعلى هذا جعل شيوخنا رحمهمالله هذا الوضع وجها من المضاهاة بين الكلابية وبين القوم.
فقد حكي أن أبا مجالد وكان من شيوخ العدل ، اجتمع مع ابن كلاب يوما من الأيام فقال له : ما تقول في رجل قال لك بالفارسية : تو مردى وقال الآخر : أنت رجل ، هل اختلفا في وصفك إلا من جهة العبارة؟ فقال : لا ، فقال : فكذا سبيلك مع النصارى ، لأنهم يقولون إنه تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، يعنون بها الحياة الأزلية ، ومتكلم بكلام أزلي ، فليس بينكم خلاف إلا من جهة العبارة.
ردود على النصارى يؤدي لاستغناء الأقانيم عن بعضها
ويقال لهؤلاء النصارى : يلزمكم أن تقتصروا على أقنوم واحد ، لأجل أن هذه الأقانيم إذا اشتركت في القدم فلا بد من تماثلها ، ولا بد من أن يسد بعضها مسد البعض فيما يرجع إلى ذاتها ، وذلك يوجب أن يقع الاستغناء بأحدها عن الباقي ، حتى يقال : إنه تعالى جوهر واحد وأقنوم واحد على ما نقوله للكلابية أنه يلزمكم أن تقتصروا على إثبات معنى من هذه المعاني ، وأن لا تثبتوا سواه ، لأنه يقع الاستغناء عن الجميع لمشاركته إياها في القدم. فعلى هذا يجرى الكلام في التثليث.