يريناه ولو شاء لرأيناه ، فكما أن ذلك خلف من الكلام ، كذلك هاهنا.
فإن قال : ما أنكرتم أن هذه الأمور التي عددتموها ليست بموانع؟ قلنا : إن كان الأمر على ما ذكرته فقد ارتفع غرضنا ، لأن غرضنا بيان أن الموانع عن الرؤية مرتفعة ، وأنه تعالى لو كان مرئيا في نفسه لوجب أن نراه الآن ، وهذا قد تم بما ذكرتموه ، على أن قد بينا أن هذه الأمور موانع بما لا يمكن دفعه.
فإن قيل : ما أنكرتم أنا نرى القديم تعالى الآن؟ قلنا : لو رأيناه لعلمناه ضرورة ، لأن الرؤية طريق إلى العلم ، وهذا يوجب أن نجد كوننا عالمين به من أنفسنا ، وقد عرف خلافه.
فإن قيل أليس أنه تعالى حاصل على الصفة التي لو علم (١) لما علم إلا لكونه عليها ، والواحد منا حاصل على الصفة التي لو علم ما علم إلا لكونه عليها ، والموانع المعقولة عن العلم مرتفعة ، ثم لا يجب في كل عاقل أن يعلم القديم تعالى ، فهلا جاز مثله في مسألتنا ، أن يكون القديم حاصلا على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها ، والواحد منا حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها ، ثم لا يجب أن نراه الآن.
قلنا : إن بين الموضعين فرقا ، لأن المصحح في كونه عالما غير الموجب له ، إذ المصحح له إنما هو كونه حيا ، والموجب له إنما هو العلم ، وليس كذلك في كونه مدركا ، لأن المصحح له هو كونه حيا ، وهو الموجب له أيضا ، ففارق أحدهما الآخر.
شبه القوم في هذا الباب
وللقوم شبه في هذا الباب :
من جملتها قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣].
قالوا : بين الله تعالى أن الوجوه تنظر إليه يوم القيامة ، وهذا يدل على كونه مرئيا على ما نقوله.
والأصل في الكلام عليهم أن نمنعهم من الاستدلال بالسمع أصلا ، لأن الاستدلال بالسمع ينبني على أنه تعالى عدل حكيم لا يظهر المعجز على الكذابين ،
__________________
(١) قال محقق الطبعة السابقة : «لعل هنا نقصا ، فتكون العبارة على النحو التالي : أي أن يكون.