قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

شرح الأصول الخمسة

194/567
*

مسائل سألها مشايخ المعتزلة لخصومهم :

وقد سألهم مشايخنا رحمهم‌الله مسائل لا محيص لهم عنها.

منها : هو أنا لو قدرنا أن يكون هاهنا رجلان دفعا إلى ظلمة شديدة ، ضاع من أحدهما بدرة واستتر الآخر من العدو ، فإن هذه الظلمة محسنة إلى من استتر من العدو ، ومسيئة إلى من ضاع منه البدرة. وكذلك إذا طلعت الشمس فإن هذا النور محسن إلى من ضاع هذه البدرة منه ، مسيء إلى من استتر عن العدو. وفي هذا فساد مذهبهم.

وهذا السؤال إنما أورده شيخنا أبو الهذيل على بعض الثنوية فأسلم.

ومن ذلك أخذ أبو الطيب قوله :

فكم لظلام الليل عندك من يد

تخبر أن المانوية تكذب

وقاك ردى الأعذار يسرى إليهم

وزادك فيه ذو الدلال المحجب

ومن هذه الأسئلة ، أن أحدنا يعلم أنه كاذب ، فمن الذي يعلم ذلك؟ فإن قالوا : النور ، فقد وصفوه بخصلة من خصال الشر وهو الكذب ، وإن قالوا : الظلمة ، فقد وصفوه بخصلة من خصال الخير وهو العلم. ولا يملكهم أن يقولوا : إن العالم أحدهما والكاذب الآخر ، لأن كلامنا في شخص واحد.

ومنها : أن أحدنا يسيء ثم يعتذر فمن المسيء ومن المعتذر؟ فإن قالوا : النور ، فقد وصفوه بخصلة من خصال الشر وهو الإساءة ، وإن قالوا : الظلمة ، فقد وصفوه بخصلة من خصال الخير وهو الاعتذار ، فإن قالوا : الظلمة ، تسيء والنور يعتذر ، قلنا : الاعتذار من غير الإساءة قبيح ، وهذا يقتضي وصف النور بخصلة من خصال الشر. فإن قالوا : الاعتذار من غير صاحب الإساءة لا يقبح ، ولهذا فإن الوالد يعتذر من إساءة ولده ، والراكب يعتذر من رفس دابته ، قلنا : الوالد يعتذر من إساءة نفسه حيث ترك تأديب ولده ، وكذلك الراكب إنما يعتذر من إساءة نفسه حيث لم يجر فرسه في السمت الذي يكون أبعد من الرفس.

ومنها : أن أحدنا يغصب ثم يرد ، فمن الغاصب ومن الراد؟ فإن قالوا : النور ، قلنا قد وصفتموه بخصلة من خصال الشر وهو الغصب ، وإن قالوا : الظلمة ، قلنا : قد وصفتموه بخصلة من خصال الخير وهو رد المغصوب.