الله تعالى مريدا بإرادة معدومة ، لجاز أن يكون كارها بكراهة معدومة ، وهذا يوجب أن يكون مريدا للشيء كارها له دفعة واحدة ، وهذا محال.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون مريدا لا لذاته ولا لمعنى؟ قلنا : لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مريدا لسائر المرادات ، كما في كونه مدركا فإنه تعالى لما استحق هذه الصفة لا لذاته ولا لمعنى لم يختص ببعض المدركات دون البعض ، وقد بينا أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا لسائر المرادات عند الكلام على النجارية ، فثبت بهذه الجملة أنه تعالى لا يجوز أن يستحق هذه الصفة لذاته ولا لما هو عليه في ذاته ولا لمعنى قديم ، فلم يبق إلا أن يستحقها لمعنى محدث وهو الإرادة على ما نقوله.
ثم إن تلك الإرادة لا تخلو ، إما أن تكون حالة في ذات القديم تعالى ، أو في غيره ، أو لا في محل.
لا يجوز أن تكون حالة في ذاته تعالى وإلا كان يجب أن يكون محلا للحوادث ، وذلك يقتضي تحيزه وكونه محدثا ، وقد ثبت قدمه.
وإذا كان حالا في غيره ، فذلك الغير لا يخلو : إما أن يكون حيا أو جمادا ، لا يجوز أن يكون حالا في الحي وإلا كان بإيجاب الحكم له أولى ، ولا أن يكون حالا في الجماد ، إذ لو صح حلولها في الجماد لصح حلولها في بدن الحي أيضا ، لأنه ما من عرض من الأعراض يصح حلوله في الجماد إلا ويصح حلوله في الحي ، وإن كان فيما يوجد في الحي ما لا يصح حلوله في الجماد فكان يجب صحة أن توجد الإرادة في يد الواحد منا مثلا ، حتى يجد في بعض الحالات هذه الصفة كأنها من ناحية يده ، والمعلوم خلافه فليس إلا أن الإرادة موجودة لا في محل.
شبه المخالفين :
وللمخالف في هذا الباب شبه ، وشبههم نوعان :
أحدهما : يشترك فيه كلا الفريقين ، والآخر يتعلق به أحد الفريقين دون الآخر.
شبه يشترك فيها الفريقان :
فالأول ، نحو قولهم : لو كان الله تعالى مريدا بإرادة محدثة ، لكان لا يخلو حال تلك الإرادة من أحد وجوه :