وليس هذا جنسا مخصوصا يجب في القادر للذات أن يكون قادرا عليه لا محال.
ومن ذلك قياسهم المصلحة على المفسدة ، فقالوا : إذا كان الله تعالى قادرا على أن يفعل من المفسدة ما يفسد به كل أحد ، وجب أن يكون قادرا على أن يفعل من المصلحة ما يصلح به كل أحد. وجوابنا ، أنا لو خلينا وقضية العقل لكنا لا نعلم أنه تعالى قادر على ما لو فعله بجميع المكلفين لفسدوا عنده ، غير أن السمع ورد بذلك ، وهو قوله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧)) [العلق : ٦ ، ٧] وقوله : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٢٧] ، فلم يفصل بين عبد وعبد ، ومثل هذه الدلالة غير ثابت في المصلحة ، فبقي على أصل العقل ، وإذا كان هذا هكذا فقد بطل القياس.
فإن قيل : ألسنا ندبنا إلى أن نسأل الله تعالى العصمة والتوفق ، وأن نقول مثلا : اللهم وفقنا لما تحب وترضى وجنبنا عما تكره وتسخط ، وغير ذلك من الدعوات؟ فلو كان الأمر على ما ذكرتموه من أنه ليس في مقدور الله تعالى من الألطاف ما لو فعله بكل أحد لصلح عنده ولاختار الواجب واجتنب القبيح ، لكان يجب أن لا يصح هذا القول وهذا الدعاء والسؤال.
وجوابنا ، أنا إنما ندبنا إلى هذا السؤال مشروطا بأن يكون ذلك في المقدور وإن كان الشرط غير منطوق به ، فالشرط وإن لم ينطق به فهو في حكم المنطوق به ، فهذا جملة ما نذكره في هذه المسألة.
فصل
أورد رحمهالله بعد هذه الجملة ، الكلام فيما بنا من النعم من جهة الله تعالى.
وكان ينبغي أن نذكر قبل الشروع في المسألة حقيقة النعمة والمنعم وما يتصل بذلك ، إلا أنا لما فرغنا عنه في أول الكتاب ، لم نعده هاهنا كراهة التطويل ، والذي نذكره هاهنا ما يختص هذا الموضع.
النعم نوعان
اعلم أن النعم على ضربين :
أحدهما ، لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، وذلك نحو الإحياء والإقدار وخلق الشهوة والمشتهى وإكمال العقل ، ولا شك في أن ما هذا حاله فإن الله تعالى هو المنفرد به ،