يقتضي أن لا تتميز العلة عن المعلل به ، ومن شأن ما نجعله علة أن يكون متميزا من المعلل به ، بل ما قلناه أولى لأن في هذا اتباع الصفة للعلة ، وما ذكروه اتباع العلة للصفة وذلك عكس الواجب.
وأما ما قالوه من أنه لو كان عالما لمعنى لوجب في ذلك المعنى أن يكون بصفة العلم ، وكذلك إذا كان عالما لذاته وجب في ذاته أن تكون بصفة العلم ، فذلك جمع بين أمرين من غير علة تجمعهما فلا يقبل.
ثم يقال لهم : أليس أنه تعالى لو كان عالما لمعنى لكان ذلك المعنى قد أوجب الحكم لغيره ، وكان علة فيه ولم يلزم ذلك إذا كان عالما لذاته ، فكيف يصلح ما ذكرتموه ، وهل هذا إلا كأن يقال : الجوهر لو كان جوهرا لمعنى ، لكان لا بد لذلك المعنى من أن يكون على صفة من الصفات ، لها لمكانها يوجب تلك الصفة ، فكذلك الآن وهو جوهر لذاته وجب في ذاته أن يكون بصفة ذلك المعنى ، فكما أن ذلك خلف من الكلام كذلك في مسألتنا.
من شبههم السمعية
وللمخالف في هذا الباب شبه من جهة السمع ، قد تعلقوا بها قد ذكرناه ، وبعضها نذكره الآن.
ممن جملة ما لم نذكره ، تعلقهم بقوله الله سبحانه : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النساء : ١٦٦] وقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) [البقرة : ٢٥٥] وقوله تعالى : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) [الأعراف : ٧] وهذا يدل على أنه تعالى عالم بعلمه.
وربما يستدلون بالسمع على إثبات القدرة لله تعالى ، فيقولون : وإنه تعالى قال : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) بأييد (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (١) [الذاريات : ٤٧] أي بقوته ، وقال : (هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة غير ممكن ، لأن صحة السمع ينبني على كونه عدلا حكيما ، وكونه حكيما ينبني على أنه تعالى عالم لذاته ، فكيف يصح ذلك؟
__________________
(١) في المطبوعة (وإنا لمرسلون) وهو خطأ.