اختلاف الحال فيه ، فكان يجب أن يتناول في بعض الحالات بعض الأطعمة الشهية ثم لا يقع بها الالتذاذ بأن يحدث ذلك المعنى ، وقد عرف خلافه ، فليس إلا القضاء بأن الالتذاذ إنما يقع بإدراك هذه الباقيات نفسها لا غير.
وإذ قد عرفت هذه الجملة فاعلم أن الأرزاق كلها كأنها من جهة الله تعالى ، فهو الذي خلقها وجعلها بحيث يمكن الانتفاع بها ، فهو الرزاق حقيقة وإذا وصف به الواحد منا فيقال : رزق الأمير جنده والسلطان رعيته ، كان على نوع من التوسع والمجاز.
غير أنه ينقسم إلى ما يحصل من جهة الله تعالى ابتداء ، وإلى ما يحصل بالطلب.
فالأول ، نحو ما يصل إلينا من المنافع بطريقة الإرث ونحوه مما وصل بغير علاج. والثاني فكما يحصل بالتجارات والزراعات وغير ذلك.
ثم إن الطلب ينقسم إلى ما يلحقه بتركه ضرر وإلى ما لا يلحقه بتركه ضرر ، فإنه يجب عليه الاشتغال به دفعا للضرر عن نفسه ، وما لا يلحقه بتركه ضرر فإنه وإن اشتغل به جاز وحسن وإن لم يشتغل به جاز أيضا وحسن.
واعلم أن جماعة من المتآكلة الذين سموا أنفسهم المتوكلة ، خالفوا في هذه الجملة ، وذهبوا إلى أن الطلب قبيح. واحتجوا لذلك بوجهين : أحدهما : هو أن الطلب يضاد التوكل وينافيه ويمنع منه فيجب القضاء بقبحه ، والثاني : هو أن الطالب لا يأمن فيما يجمعه ويتعب فيه نفسه أن تغصبه الظلمة فيكون في الحكم كأنه أعانهم على الظلم وذلك قبيح ، وهذا الذي ذكروه بخلاف ما في العقول.
التوكل طلب القوت من وجهه :
أما قولهم إن الطلب ينافي التوكل ويضاده فمحال ، بل التوكل هو طلب القوت من وجهه ، وعلى هذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ، جعل التوكل هو أن تغدوا وتروح في طلب المعيشة من حله.
وأما قولهم : إن ذلك في الحكم كأنه أعان الظلمة على ظلمهم فيجب قبحه فمما تدفعه العقول ، وقد تقرر في عقل كل عاقل حسن التجارات والفلاحات طلبا للأرباح ، يؤكد ذلك ويوضحه أن التاجر إنما يتجر ليربح على درهم درهما أو أقل من ذلك أو أكثر ، لا ليغصبه السلطان ، وكذلك الزراع فإنه إنما يزرع ليرزقه الله تعالى بدل حبة