أضعافها لا ليحوزها الجورة والظلمة ، فكيف يصح والحال ما قلناه أن يقال : إن التجارة والفلاحة وغيرهما من أنواع الطلب إعانة الظلمة على ظلمهم ، على أنا قد ذكرنا في غير موضع أن الإعانة لا تثبت إلا مع الإرادة ، وبينا في مثاله أن من رفع سكينا إلى غيره ليذبح بها شاة فذبح به مسلما لم يقل إنه أعانه على قتل المسلم وذبحه ، وإن كان هو الذي رفع إليه السكين لهذا الغرض وإنما دفعه إليه لوجه آخر ، ففسد هذا الكلام من كل وجه.
فهذا هو الرزق وما يتعلق به من الأقسام حسب ما يحتمله هذا المكان.
وقد خالفنا في ذلك بعضهم وقالوا : إن الرزق هو ما يتغذى به ويؤكل ، وذلك مما لا وجه له ، فإن الأولاد والأملاك أرزاق من جهة الله تعالى ، ثم لا يقع به الاغتذاء.
وبعد ، فإن الحرام مما يقع به الاغتذاء ، ثم لا يجوز أن يكون رزقا.
فإن قيل : من أين أن الحرام لا يجوز أن يكون رزقا؟ قلنا : لأن الله تعالى منعنا من إنفاقه واكتسابه ، فلو كان رزقا لم يجز ذلك.
وبعد ، فإن الله تعالى قال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً) وأيضا ، فإنه تعالى مدحنا بإنفاق ما رزقناه ، حيث قال : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ومعلوم أنه لا يجوز أن يمدح على الإنفاق من الحرام ، فصح لنا ما ذكرناه ، فهذه طريقة القول فيه.
فصل في الأسعار
وقد ذكرنا وجه اتصاله بما تقدم.
الأسعار :
والذي نذكره هاهنا هو أن السعر شيء والثمن شيء آخر غيره ، فالسعر هو ما تقع عليه المبايعة بين الناس ، والثمن هو الشيء الذي يستحق في مقابله المبيع ، ثم إن السعر يوصف بالغلاء مرة وبالرخص أخرى ، فالرخص هو بيع الشيء بأقل مما اعتيد بيعه في ذلك الوقت وفي ذلك البلد ، والغلاء بالعكس من ذلك. ولا بد من اعتبار البلد والوقت فتأثيرهما مما لا يخفى.