فلو لا أن هناك أفعالا أخذت منها هذه الأشياء واشتقت منها ، وإلا كان لا يصح هذه التسمية.
والجواب ، أن هذا توصل منكم بالعبارات إلى إفساد ما قد ركبه الله تعالى في العقول ، وذلك مما لا سبيل إليه ، يبين ذلك ويوضحه أنهم يسمون من لم يرد الوديعة ظالما وإن لم يعلموا هناك فعل البتة ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ فهذه جملة ما نذكره نحن في هذه المسألة ، ولاستقصاء الكلام فيها واستيعاب الأسئلة والأجوبة مكان آخر هو أخص به من هذا المكان.
فصل
قد ذكرنا أن المدح والثواب والذم والعقاب ، كما يستحقه الواحد منا على فعل الطاعة والمعصية فقد يستحقه على أن لا يفعل ، وذكرنا الوجه من ذلك حسب ما يتحمله الموضع ، والذي نذكره هاهنا ما يؤثر في إسقاط الثواب والعقاب.
سقوط الثواب والعقاب :
اعلم أن الثواب يسقط بوجهين : أحدهما ، بالندم ، على ما أتى به من الطاعات ، والثاني بمعصية هي أعظم منه.
وإنما قلنا : إن الثواب يسقط بالندم على الطاعة ، لأن الحال في ذلك كالحال فيمن أحسن إلى غيره ، ثم ندم على ما فعله من الإحسان ، فإن ندمه على ذلك يسقط ما كان يستحقه ، كذلك هاهنا.
وأما سقوطه بمعصية هي أعظم من ذلك ، فظاهر أيضا ، لأن ذلك بمنزلة أن يحسن إلى غيره قدرا من الإحسان ثم يسيء إليه إساءة هي أعظم من ذلك بكثير ، ومعلوم أنه والحال هذه لا يستحقه مدحا ولا شكرا كما كان يستحق من قبل الإساءة كذلك الحال في مسألتنا.
هذا هو الكلام فيما يسقط به الثواب المستحق ولا ثالث لهذين الوجهين ، إذ لا يسقط الثواب بإسقاط الله تعالى البتة.
وأما العقاب المستحق من جهة الله تعالى فإنه يسقط بالندم على ما فعله من المعصية ، أو بطاعة هي أعظم منه.