حول القائلين بالنفس والعقل والعلة وأصحاب النجوم
فصل : إن قيل : أين أنتم عن القائلين بالنفس والعقل ، وعمن يقول بإثبات علة كنى بها عن الباري ، وكذلك فأين أنتم عن أصحاب النجوم الذين أضافوا هذه الحوادث إلى تأثيرات الكواكب؟
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن القول بالنفس والعقل والعلة إشارة إلى ما لا يعقل ، لأن العقل في الشاهد يدل على فاعل مختار حتى صار كالحقيقة فيه فلا يتغير شاهدا وغائبا. ولو أنهم أرادوا بذلك الفاعل المختار فلا مشاحة بيننا وبينهم إلا في العبارة ، والمرجع فيها إلى أرباب اللسان وأهل اللغة ، ومعلوم أنهم لا يسمون الفاعل نفسا ولا عقلا ولا علة.
وأما أصحاب النجوم الذين أضافوا هذه الحوادث إلى تأثيرات الكواكب فقد أبعدوا ، وذلك لأن هذه النجوم ليست بأحياء فضلا عن أن تكون قادرة ، والفاعل المختار لا بد من أن يكون حيا قادرا. يبين ما ذكرناه ويوضحه ، أن الشمس على ما هي عليه من الحرارة لا يصح أن تكون حية ، لأن الحياة تحتاج إلى بنية مخصوصة هي اللحية والدميمة ، وهي مفقودة فيها.
وبعد ، فلو كانت الشمس قادرة لوجب وقوع الاختلاف في تصرفاتها ، فتطلع تارة من الشرق وتارة من الغرب ، ومعلوم أنه لا اختلاف في حركاتها ، بل هي على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة. على أنا نعلم من وحي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن دين الأمة ضرورة أنها مسخرة مدبرة غير حية ولا قادرة ، ففسد ما قالوه.
وبعد ، فلو كانت قادرة لوجب أن تكون قادرة بقدرة ، والقادر بالقدرة ، لا يقدر على فعل الأجسام ، إذ لو صح ذلك بما فيه من القدرة لصح من الواحد منا. ذلك لأن القدرة وإن اختلفت فمقدوراتها متجانسة ، فيلزم أن يخلق لنفسه ما شاء من الأموال والبنين ، والمعلوم خلافه.
والذي حملهم على ذلك وأداهم إليه ، هو أنهم ظنوا أن نماء الزرع وإدراك الثمار وغيرها يتبع الشمس ويقع بحسبها ، وليس كذلك لأن الزرع قد ينمو والثمار قد تدرك مع غيبوبة الشمس كما تنمو وتزداد مع طلوعها ، فكيف يصح تعليقه بها.
وبعد فإن الزرع كما يختلف في الزيادة والنقصان بحسب الشمس ، فقد يختلف أيضا بحسب تعهد الزراع ، فليس بأن يضاف إلى الشمس أولى من أن يضاف إلى