ولا حاصر ، لجاز أن يتعلق بما لا نهاية له وبالشيء على ما ليس به كما يتعلق به كالاعتقاد ، وذلك محال.
وبعد فما من معلومين إلا ويصح أن يعلم أحدهما ولا يعلم الآخر ، وهذا يدل على أن العلم الواحد لا يتعلق بأزيد من متعلق واحد على طريق التفصيل.
فإن قال : كيف يصح قولكم هذا ، ومعلوم أن من عرف الفرع عرف الأصل لا محالة ، وكذلك فمن أدرك المدركات فإنه يجب أن يعلمها كلها ، حتى لا يجوز أن يعلم البعض دون البعض وهذا ينفي ما ذكرتموه؟
قيل له : أما الأول ، فلا يصح أن يعلم بعضها ولا يعلم البعض بأن يكون هناك لبس فلا يقدح ذلك فيما قلناه.
وقد تعلق المخالف في هذا الباب بشبه ، وشبههم على ضربين : أحدهما ما يستدلون به ابتداء على أنه تعالى عالم بعلم ، والثاني ما يريدون به إبطال كلامنا في أنه تعالى عالم لذاته حتى يبقى لهم أنه تعالى عالم بعلم.
استدلال المخالف على أنه عالم بعلم
فمن الضرب الأول قولهم : قد ثبت أنه عالم فيجب أن يكون عالما بعلم لأن العالم من له العلم. يبين ذلك أنا لم نر في الشاهد عالما إلا بعلم ، فكذلك في الغائب ، وصار الحال فيه كالحال في الحركة ، فكما أنا لم نر في الشاهد محتركا إلا بحركة وجب مثله أن يكون في الغائب ، كذلك في مسألتنا.
وربما قالوا : لما لم يجز أن يكون في الشاهد أسود إلا بسواد ، وجب مثله في جميع المواضع ، وكذلك فلما لم يكن الجسم فيما بيننا إلا بالطول والعرض والعمق وجب مثله في الغائب ، كذلك يجب في كونه تعالى عالما ، وهذا يقتضي صحة ما قلناه.
وربما يروون ذلك على وجه آخر ، فيقولون : إن العلم علة في كون الذات عالما ، والعلة يجب فيها الطرد والعكس ، وهذا يوجب في كل عالم أن يكون عالما بعلم ، وفي ذلك ما نريده. وصار الحال فيه كالحال في الحركة ، فكما أنها لما كانت علة في كون الجسم متحركا ، وجب فيها الطرد والعكس ، حتى وجب في كل متحرك أن يكون متحركا بحركة ، وأيضا فإن السواد لما كان علة في كون الأسود أسود ، وجب فيه الطرد