أن هذه الإرادات كلها مختلفة لتغاير متعلقاتها.
وأما في المتضادات ؛ فإن القدرة متعلقة بها ، ولكن لا يصح من القادر الجمع بين الضدين في محل واحد ، وإنما يوجد أحدهما بدلا من الآخر. ولا يمكن المنع من تعلق القدرة بهما وإلا كان يجب صحة أن يتحرك أحدنا عنه وإن كان لا يمكنه التحرك يسرة ، حتى يتأتى منه أن يقطع من هذه الجهة مسافة ولا يمكنه أن يتحرك في تلك الجهة أصلا ، ومعلوم خلافه.
ومتى قيل إن القدرة على الحركة في هذه الجهة غير القدرة على الحركة في الجهة الأخرى. قلنا : فيجب أن لا يصح منه إيجاد إحدى الحركتين بدلا من الأخرى. ألا ترى أن الفعلين إذا احتاج كل واحد منهما إلى الآلة ، فإنه لا يمكنه أن يفعل بإحدى الآلتين كل واحد من الفعلين على طريقة البدل؟ كذلك في مثلنا.
وبعد ، فلو لم تعلق القدرة بالضدين لوجب في الواحد منا إذا قدر على الضدين أن يكون حاصلا على صفتين ضدين ، ولو ارتكبوا ذلك في الواحد منا قيل لهم : فكان يجب في القديم تعالى وهو قادر على الضدين أن يكون حاصلا على صفتين ضدين ، ومتى قالوا : إنما وجب ذلك في الشاهد لأن إحدى القدرتين تضاد القدرة الثانية وليس كذلك في القديم تعالى لأنه قادر لذته ، قيل لهم : إن الصفتين إذا تضادتا لم يفترق الحال بين أن تكونا مستحقتين للنفس وبين أن تكونا مستحقتين لمعنى ، ألا ترى أن كونه عالما وجاهلا لما تضادتا لم يفترق الحال بين أن يكون مستحقا للنفس وبين أن يكون كذلك لمعنى ، حتى لم يجز في القديم تعالى أن يكون عالما بالشيء جاهلا به دفعة واحدة كما في الواحد منا كذلك هاهنا ، وهذا لأن تضاد الصفتين لأمر يرجع إليهما لا إلى ما يوجبهما ، كذلك هاهنا.
فصل : واتصل بهذه الجملة الكلام في البدل عن الموجود
ووجه اتصال هذا بما قبله ، أنا لما ألزمنا المجبرة على القول بالقدرة الموجبة أن يكون تكليف الكافر كتكليف العاجز ، قالوا : إن الكافر يصح منه الإيمان بشرط أن لا يكون كان فيه الكفر وكان بدله الإيمان بخلاف العاجز فجوزوا البدل عن الموجود وذلك لا يجوز عندنا ؛ إذ لو جاز تجويز البدل عن الموجود لجاز مثله في صفات الأجناس ، وكان يجوز في الجوهر أن يكون سوادا بشرط أن لا يكون كان جوهرا وكان بدله سوادا ، بل في صفات القديم تعالى ، فيقال : إنه جلّ وعزّ يجوز أن يكون عاجزا