عالما لذاته. ثم يقال لهم : الاستواء هاهنا بمعنى الاستيلاء والغلبة ، وذلك مشهور في اللغة. قال الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم |
|
تركناهم صرعى لنسر وكاسر |
وقال آخر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
فالحمد للمهيمن الخلاق فإن قالوا : إنه تعالى مستول على العالم جملة ، فما وجه تخصيص العرش بالذكر؟ قلنا : لأنه أعظم ما خلق الله تعالى فلهذا اختصه بالذكر.
وقد قيل : إن العرش هاهنا بمعنى الملك ، وذلك ظاهر في اللغة يقال : ثلّ عرش بني فلان ، أي إذا زال ملكهم. وفيه يقول الشاعر :
إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم |
|
وأودت كما أودت حمير |
(وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي).
وقد تعلقوا أيضا بقوله تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) قالوا : فأثبت لنفسه العين ، وذو العين لا يكون إلا جسما.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن المراد به لتقع الصنعة على علمي ، والعين قد تورد بمعنى العلم ، يقال جرى هذا بعيني أي جرى بعلمي. ولو لا ما ذكرناه وإلا لزم أن يكون لله تعالى عيون كثيرة ، لأنه قال : «بأعيننا» والعلوم خلاف ذلك.
(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
وقد تعلقوا بقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قالوا : فأثبت لنفسه الوجه ، وذو الوجه لا يكون إلا جسما.
وجوابنا عن هذا ، أن المراد به كل شيء هالك إلا ذاته أي نفسه ، والوجه بمعنى الذات مشهور في اللغة ، يقال : يقال : وجه هذا الثوب جيد ، أي ذاته جيدة وبعد ، فلو كان الأمر على ما ذكروه ، للزم أن ينتفي كل شيء منه إلا الوجه ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.