لم قلتم إنما احتاجت إلينا لحدوثها ، حتى يمكنكم أن تقيسوا الأجسام عليها بعلة الحدوث؟
قيل له : إنما نعني بالاحتياج أن لحالة من أحوالنا فيه تأثير ، والذي يدل على ذلك ، هو أنها تقع بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال محققا وإما مقدرا ، فلو لا أنها محتاجة إلينا متعلقة بنا وإلا كان لا يجب فيها هذه القضية ، كما في تصرف الغير ، وكما في اللون.
وأما الذي يدل على أنها إنما احتاجت إلينا لحدوثها ، فهو أن حدوثها هو الذي يقف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا.
وبعد ، فإنه لا يخلو ، إما أن تكون محتاجة لاستمرار وجودها ، أو لاستمرار عدمها ، أو لتجدد وجودها.
لا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار عدمها لأنها قد كانت مستمرة العدم ولم تكن.
ولا أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار وجودها لأنها تبقى مستمرة الوجود وإن خرجنا عن كوننا أحياء فضلا عن كوننا قادرين.
فلم يبق إلا أن تكون محتاجة إلينا لتجدد وجودها وهو الحدوث ، فصح القياس.
فإن قيل : كيف يصح قياس الجسم على العرض قلنا : إذا اشتركا في علة الحكم لم يمتنع أن يكون حكم أحدهما حكم الآخر ، وقد بينا أن الأجسام قد شاركت تصرفاتنا في علة الاحتياج إلى محدث وهو الحدوث ، فلم يمتنع قياس أحدهما على الآخر.
لم يكون فاعلها هو الله
فأما الثاني ، وهو الكلام في أن فاعلها ليس إلا أن الله تعالى فلا يخلو ، إما أن تكون قد أحدثت نفسها ، أو أحدثها غيرها.
لا يجوز أن تكون قد أحدثت نفسها لأن من حق القادر على الشيء أن يكون متقدما على فعله ، فلو كان الجسم هو الذي أحدث نفسه لزم أن يكون قادرا وهو