فساد قولهم.
قالوا : لو كان الله تعالى قادرا على القبيح لوجب أن يوقعه.
الرد على من يقول إن الله لو قدر على القبيح لوجب أن يوقعه :
قلنا ، ليس يجب في كل من قدر على الشر أن يوقعه لا محالة ، ألا ترى أن أحدنا مع قدرته على القيام ربما يكون قاعدا ، ومع قدرته على الكلام ربما يكون ساكتا ، فكيف أوجبتم في القادر على الشيء أن يوقعه بكل وجه؟ وكذلك فالقديم تعالى قادر على أن يقيم القيامة الآن ، ثم إذا لم تقم لم يقدح في كونه قادرا.
وقالوا : لو كان القديم تعالى قادرا على القبيح لوجب صحة أن يوقعه ، قلنا : ما تريدون بالصحة؟ فإن أردتم يجب أن يوقعه فقد أجبنا عن ذلك ، وإن أردتم أنه يجب أن يكون قادرا عليه فذلك مجاب إليه.
فإن قالوا : إذا كان القديم تعالى قادرا على القبيح فما الذي أمنكم من أن يوقعه؟ قلنا : دلالة العدل ، وهو علمه بقبح القبيح واستغناؤه عنه هو الذي أمننا من ذلك ، فصح ما قلناه ، وصح أنه تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحا.
هناك أدلة من الكتاب على هذا وإن كانت الأدلة السمعية بعيدة هنا :
وفي كتاب الله تعالى ، ما يمكن أن يستدل به على أنه تعالى موصوف على ما لو فعله لكان قبيحا ، وإن كان الاستدلال بالسمع على هذه المسألة يبعد.
وتحرير الدلالة على ذلك ، أن الله تعالى تمدح بنفي الظلم عن نفسه مدحا يرجع إلى الفعل حيث قال : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] ، وقال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] وقال : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً). ولا يحسن أن يتمدح بنفي الظلم عن نفسه ، وهو غير قادر عليه ، كما أنه لا يحسن من العنين أن يتمدح بتركه افتضاض الأبكار ، لما لم يكن قادرا على ذلك ، وكما أنه لا يحسن من الزمن المقعد مدح نفسه بتركه تسلق الحيطان والهجوم على دور الجيران لما لم يكن قادرا عليه ، كذلك هاهنا ، إذا لم يكن القديم تعالى قادرا على القبيح ، وجب أن لا يحسن منه أن يتمدح بترك الظلم.
فإن قيل : أليس أنه تعالى تمدح بنفي السنّة والنوم والصاحبة والولد عن نفسه مع أنه غير قادر عليه قلنا : فرق بين الموضعين ، فإن أحدهما مدح يرجع إلى ذاته ، والآخر