أردت الاستدلال بها فلا بد أن تبنى ذلك على أصلين : أحدهما ، هو أنه تعالى لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب لا يريد به ظاهره ثم لا يدل عليه ولا يبين المراد به ، لأن ذلك يكون إلغازا وتعمية وتورية ، والألغاز والتعمية والتورية مما لا يجوز على الله تعالى ، وذلك ظاهر لا إشكال فيه.
والثاني ، أن في اللغة لفظة موضوعة للعموم ، وذلك فقد اختلف الناس فيه اختلافا شديدا ليس هذا موضع ذكره ، وإنما الذي نذكره هاهنا ، الدلالة على ما اخترناه من المذهب ، وهو أن فيه لفظة موضوعة له.
وتحرير الدلالة على ذلك ، هو أن «ما» و «من» إذا وقعتا نكرتين في المجازات أفادتا العموم والاستغراق ، لأن أهل اللغة أطبقوا على أن قول القائل من دخل داري أكرمته ، بمنزلة قوله : إن دخل داري زيد أكرمته وإن دخل عمر داري أكرمته ، حتى يأتي على جميع العقلاء ، ولن يكون كذلك إلا وهو موضوع للعموم والاستغراق على ما نقوله.
وأيضا ، فإن له أن يستثني من هذا الكلام من شاء من العقلاء ، فيقول : من دخل داري أكرمته إلا فلانا وإلا فلانا ، ولو لا شمول هذه اللفظة للعقلاء واستغراقها لهم ، وإلا كان لا يجوز ذلك ، لأن من حق الاستثناء أن يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحته.
وهذا منا استدلال ببعض كلامهم على البعض.
ونظيره ، استدلالنا باستعمالهم لفظة أجسم من الجسم ، على أنه الطويل العريض العميق.
مناقشة حول الاستثناء والعموم والخصوص :
فإن قيل : إن ما ذكرتموه ينبني على أن من حد الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لاحتمله ولصلح له ، لا ما ذكرتموه.
قيل لهم : الذي يدل على صحة ما ادعيناه في الاستثناء ، هو أنه إذا دخل على أسماء الأعداد وأخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته. ألا ترى أن القائل إذا قال : لفلان علي عشرة إلا درهما ، فإنه يكون قد أخرج باستثنائه هذا ما لولاه لشمله ودخل تحته لا محالة ، حتى لو لا هذا الاستثناء لكان يكون مقرا بالعشرة كمّلا ، والآن لم يلزمه بإقراره إلا التسعة ، إذا صح ذلك في الاستثناء وقد دخل على أسماء الأعداد ،