يدخله التخير من وجه آخر ، فإنه مخير إن شاء ردها باليمين ، وإن شاء ردها باليسار.
مثال الواجب المضيق ، في الشرع :
وأما مثاله في الشرع فهو كالصلاة في آخر الوقت ، فإنه يتعين عليه الصلاة ويجب أداؤها ولا يقوم غيرها مقامها من عزم أو غيره ، وإن كان يدخله التخيير من وجه آخر ؛ فإنه مخير إن شاء صلى في هذه البقعة وإن شاء صلى في هذه البقعة ، بشرط استوائها في الطهارة.
معرفة الله من الواجبات المضيقة :
ثم قال رحمهالله تعالى : إذا ثبت هذا فاعلم أن معرفة الله سبحانه وتعالى من الواجبات المضيقة التي لا يسع الإخلال بها ، ولا يقوم غيرها مقامها من ظن أو غيره لأنه مما يقبح تركها ، وقد تقرر في العقل وجوب التحرز من القبيح. فإذا كان لا يمكن التحرز من هذا القبيح إلا بالمعرفة ، وجب أن يقضى بوجوبها.
وهذه منه رحمهالله إشارة إلى ما يقوله شيخنا أبو علي : من أن وجه وجوب معرفة الله تعالى قبح تركها ، إلا أن ذلك إنما يستقيم أن لو لم يمكن الانفكاك عن القبيح إلا إلى المعرفة ، فحينئذ كان يجب أن يقضي بوجوبها. فأما ومن الممكن أن ينفك المرء عن القبيح لا إلى المعرفة ، بأن لا يفعلها ، ولا يفعل ما يضادها من الجهل وغيره ، فإن ما ذكره لا يستقيم. وأشبه ما يقوله في الصلاة أنه لا يجوز أن يجعل وجه وجوبها قبح تركها من الزنا وغيره ، لأن ذلك إنما كان يجب أن لو لم يمكن الاحتراز من الزنا إلا بالصلاة ، فأما ومن الممكن انفكاك المكلف عن الأمرين جميعا فإن ذلك غير واجب ، كذلك هاهنا.
الرد على الاعتماد على قولهم : الواجب لا يجب بإيجاب موجب
فإن قيل : إذا كان عندكم أن الواجب لا يجب بإيجاب موجب ، فما معنى قوله : ما أول ما أوجب الله عليك؟ قيل له : معناه ما عرفك الله وجوبه. فإذن ، الصحيح في وجه وجوب المعرفة ما يقوله أبو هاشم من أنه ما لطف في أداء الطاعات واجتناب المقبحات العقلية على ما سيأتي شرحه من بعد إن شاء الله تعالى.