فإن قيل : قد بنيتم صحة وقوع التمانع بينهما على اختلافهما في الإرادة ، وهما لا يختلفان في ذلك ، لأن الإرادة الموجودة لا في محل كما توجب الصفة لهذا ، توجب الصفة لذاك ، إذ لا اختصاص لها بأحدهما دون الآخر.
قلنا : إن من حكم كل حيين صحة اختلافهما في الإرادة ، سواء كانا مريدين بإرادة موجودة لا في محل ، أو لم يكونا كذلك. وإثبات الثاني يقتضي فساد هذا الأصل فيجب فساده. وليس لقائل أن يقول : هذا انتقال من دلالة التمانع إلى غيرها ، لأن هذا استعانة ببعض ما تذكره في دليل آخر دفعا لسؤال السائل على ما تقدم ، وذلك لا يعد انتقالا.
على أنا لم نبن صحة وقوع التمانع على اختلافهما في الإرادة ، وإنما بنيناه على صحة اختلافهما في الداعي ، وما من قادرين إلا ويصح اختلافهما في الداعي. ألا ترى أن النائمين قد يتمانعان في تجاذب كساء مع فقد الإرادة.
مجرد الفعل لا يحتاج إلى القصد والإرادة
وبعد ، فإن التمانع ليس بأكثر من أن يفعل أحدهما ضد ما يفعله الآخر ، وهذا يصح في مجرد الفعل ، ومجرد الفعل لا يحتاج إلى القصد والإرادة ، ولهذا فإن من وقف على شفير الجنة والنار ، وعلم ما في الجنة من المنافع ، وما في النار من المضار ، وسلب عنه إرادة دخول الجنة ، وخلق فيه إرادة دخول النار ، فإنه يدخل الجنة لا محالة مع فقد الإرادة.
فإن قيل : ما أنكرتم أنهما حكيمان لا يتمانعان؟ قلنا : إنا لم نبن الدلالة على وقوع التمانع بينهما ، وكيف وفي ذلك إثبات ما نروم نفيه. وإنما بنينا على تقدير التمانع بينهما ، والتقدير كالتحقيق هاهنا ، وصار الحال في ذلك كالحال في تقدير الاصطلاح بين زيد والأسد وإن علمنا أنهما لا يتصارعان البتة ، فكما أنا إذا قدرنا بينهما الاصطراع أمكننا أن نعلم كون أحدهما غالبا وكون الآخر مغلوبا ، ونعلم أن من غلب فهو الممنوع ، والممنوع ضعيف متناهي المقدور وكذلك في مسألتنا.
واعلم أن التقدير ربما يقوم مقام التحقيق وذلك مثل ما نحن فيه ، وربما لا يقوم مقامه ، وذلك كتقدير وقع الظلم من جهة الله تعالى فإنه لا يقوم مقام الوقوع ، إذ لو وقع من الله تعالى الظلم حقيقة لدل على الجهل والحاجة ، وليس كذلك إذا هو قدر وقوعه من قلبه ، فالوجه في ذلك أن يحال السؤال ويقال : خطأ قول من يقول : إنه يدل على