شبهة أخرى لهم في المسألة ، وهو أنهم قالوا : أو ليس أن إبليس يريد موت الأنبياء ويقبح منه والقديم تعالى يريده ولا يقبح ذلك منه ، فهلا جاز مثله في مسألتنا ، أن يريد القديم تعالى هذه المعاصي ولا يكون حاله في النقص كحالنا إذا أردناها.
والأصل في الجواب عن ذلك أن بين الموضعين فرقا ، لأنه تعالى إنما يريد إماتتهم لينقلهم من دار الفناء إلى دار البقاء ، ومن دار الإهانة إلى دار الكرامة ولما علم في ذلك من الصلاح واللطف ، وليس كذلك إبليس ، فإنه لا يريد هذا الذي يريده على الحد الذي ذكرناه ، ففسد ما ظننتموه ، وإنما يريد على وجه يقتضي ضعف الإسلام والمسلمين.
فإن قيل : إنه تعالى إذا أخبر أن فلانا يقتل ظلما فلا بد من أن يريد قتله ظلما ، وإلا كان مريدا لأن يكون كاذبا تعالى عن ذلك وفي ذلك ما نريده. قيل له : ليس يجب في أن أخبر عن أمر من الأمور أن يكون مريدا وقوع ما أخبر به لا محالة ، فمعلوم أن أحدنا قد يخبر عن أن بعض أعزته يموت أو يموت هو ، وإن كان كارها لذلك أشد الكراهة ، وقولهم إنه لو لم يرد وقوع ما أخبر عن وقوعه كان قد أراد كونه كاذبا مما لا أصل له ، بل إنما يكون قد أراد كونه كاذبا في ذلك أن لو أراد الإخبار عن وقوع ما يعلمه أنه لا يقع ، فحينئذ يكون قد أراد تكذيب نفسه ، لأن الكذب خبر مخبره لا على ما هو به ، فأما إذا أخبر عن وقوع ما يعلمه أنه يقع غير أنه غير مريد وقوعه ، فإنه لا يكون مريدا لأن يكون كاذبا ، ولهذا يصح أن يكره كونه كاذبا مع إرادته للأخبار عما يعلم وقوعه ، ولو كان الأمر على ما ظننتم لكان في هذه الحالة حاصلا على صفتين ضدين.
يزيد ذلك وضوحا أن النبي صلىاللهعليهوسلم أخبر أن حسينا يقتل ولم يرد أن يقتل حسين ، وكره أشد الكراهة حتى روي أنه بكى ولم يرد كونه كاذبا ، فكيف يصح قولكم أنه إن لم يرد قتله أراد كونه كاذبا.
الاستدلال على قولهم بالقرآن
وقد تعلقوا بآيات من كتاب الله تعالى فيها ذكر المشيئة ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ) [البقرة : ٢٥٣] وقوله : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١] وقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] وأشباه ذلك.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أنا نمنعهم من الاستدلال بالسمع أصلا ، فنقول :