فصل
الكلام في الأرزاق :
وقد عطف على ما تقدم الكلام في الأرزاق ، ووجه اتصاله به هو أن يجري في كلام الناس ، أن الآجال والأرزاق والأسعار كلها بقضاء الله تعالى وقدره ، فأراد أن يتكلم عليه.
وقبل الشروع في المسألة نذكر حقيقة الرزق.
اعلم أن الرزق هو ما ينتفع به وليس للغير المنع منه ، ولذلك لم يفترق الحال بين أن يكون المرزوق بهيمة أو آدميا.
وهو ينقسم إلى ما يكون رزقا على الإطلاق وذلك نحو الكلاء والماء وما يجري مجراهما ، وإلى ما يكون رزقا على التعيين وذلك نحو الأشياء المملوكة.
ثم إن سبب الملك ربما يكون الحيازة ، وربما يكون الإرث ، وربما يكون المبايعة وربما يكون الهبة ، هذا في الآدميين.
وأما في البهائم فإنه ينقسم أيضا إلى ما يكون رزقا على الإطلاق وذلك نحو الكلأ والماء وغير ذلك ، وإلى ما يكون رزقا على التعيين وذلك ما حواه فمه وحازه بهذه الطريقة.
فإن قيل : إنكم فسرتم الرزق بما ينتفع به ، فما معنى الانتفاع؟ قلنا : الالتذاذ.
فإن قيل : ما حقيقة الالتذاذ؟ قلنا : إدراك الشيء مع الشهوة.
ثم إن ما يدرك مع الشهوة ينقسم إلى ما يكون حادثا وإلى ما يكون باقيا ، ما يكون حادثا ، فهو المعنى الحاصل عند حك الجرب وما يجري هذا المجري ، وهو الذي يسمى لذة مرة وألما أخرى ، يسمى لذة إذا أدرك مع الشهوة وألما إذا أدرك مع النفار. أما ما يكون باقيا فهو كالطعوم والأراييح ، فإن الالتذاذ إنما يقع بإدراكها مع الشهوة ولا يحدث هناك معنى يلتذ به. هذا هو الذي ذهب إليه أبو هاشم.
وقد خالفه فيه أبو علي وقال : بل يحدث عند إدراك هذه الباقيات معاني يقع بها الالتذاذ ، والصحيح ما اختاره أبو هاشم.
والذي يدل على صحته ، هو أنه لو كان على ما ذكره أبو علي ، لكان يجوز