اتفقت على أن من فارق الدنيا مستحقا للعقوبة ، لم ينله بعد ذلك. روح ولا راحة ، ومتى قيل على الوجه الغالب أن هذا يقتضي الفرار إلى ما فررتم منه ، وهو القول بوقوع الإحباط في العوض والعقاب ، كان الجواب أن يقال : ولا كذلك ، فإنه لو استحق مثلا عشرة أجزاء من العوض لا يسقط بهذا القدر من العقاب إلا وقتا واحدا ، خلاف ما لو كان الكلام في الثواب والعقاب فلا يصح ما توهمه.
فهذا هو الجواب عما أورده من السؤال علي أبي هاشم.
وأما أبو علي ، فقد حكينا عنه التسوية بين العوض والثواب في هذا الباب ، ولعله إنما يسوى بينهما من حيث كان يقول : إن العوض يستحق على طريقة الدوام كالثواب ، فأما بعد رجوعه عن ذلك فلا يبقى للشبهة في هذه المسألة موقع.
اختلاف أبي علي وأبي هاشم :
فإن قيل : إذا كان الشيخان لا يختلفان في وقوع الإحباط والتكفير ، ففي أي موضع اختلفا في هذه المسألة قلنا في موضعين : أحدهما ، أن الإحباط والتكفير إذا وقعا في الطاعة والمعصية أم في الثواب والعقاب ، فقال أبو علي : إنهما يقعان في الطاعة والمعصية لأنهما اللذان يصح أن يؤثر أحدهما في الآخر ، دون الثواب والعقاب اللذين لا يوجدان معا حتى يصح تأثير أحدهما في الآخر. وقال أبو هاشم : لا بل يقعان في الثواب والعقاب ، قال : وذلك لأن الذي أوجب القول في الإحباط والتكفير هو امتناع الجمع بينهما للمنافاة ، والذي امتنع الجمع بينهما إنما هو الثواب والعقاب ، حيث كان أحدهما مستحقا على سبيل التعظيم والإجلال ، والآخر على سبيل الاستحقاق والنكال دون الطاعة والمعصية ، فمعلوم أن الجمع بينهما ممكن غير متعذر ، فيجب أن لا يقع الإحباط والتكفير إلا في المستحقين على ما ذكرته.
وقال أيضا : إن الطاعة والمعصية متى خرجتا عن أن يستحق عليهما الثواب والعقاب ، كأن تقعا من صبي أو مجنون لم يقع فيهما الإحباط والتفكير ، فمتى وقعا على الحد الذي يستحق عليه الثواب والعقاب وقع فيهما الإحباط والتكفير فيجب أن لا يجب إلا في المستحقين ، وذلك ظاهر.
وقال أيضا : إنا لا نعني بالإحباط والتكفير إلا أنه لا يحسن من الله تعالى فعل ما كان قبيحا منه ، أو يقبح منه فعل ما كان حسنا ، فلا بد من أن يقعا فيما يتغير حاله من حسن إلى قبح ومن قبح إلى حسن ، دون الطاعة والمعصية فإنهما إذا وقعا لم يتغير