إلى أصعبهما.
فإن قيل : ومن أين أنهم تركوا المعارضة ولم يعارضوه البتة؟ قيل له : إنهم لو عارضوه لكان يجب أن ينقل إلينا معارضتهم ، فإنه لا يجوز في حادثتين عظيمتين تحدثان معا ، وكان الداعي إلى نقل أحدهما كالداعي إلى نقل الأخرى أن تخص إحداهما بالنقل ، بل الواجب أن ينقلا جميعا أو لا ينقلا ، فأما أن ينقل أحدهما دون الأخرى ، فلا.
يبين ذلك ، أن من البعيد أن يسقط الخطيب من المنبر ويقع على بعض الحاضرين فيقتله ، ثم ينقل إلينا سقوط الخطيب ولا ينقل قتله ، ولا وجه لذلك إلا أن الحادثين وقعا معا ، وكان الداعي إلى نقل أحدهما هو كالداعي إلى نقل الآخر ، وكذلك كان يجب مثله في المعارضة لو كانت أن تنقل إلينا كما نقل القرآن ، فلما لم تنقل دل على أنها لم تكن أصلا.
ولا يمكن إنكارا ما قلناه من أن الداعي إلى نقل أحدهما كالداعي إلى نقل الآخر ، بل لو قيل : إن الداعي إلى نقل المعارضة أقوى لكان أولى ، إذ المعارضة مما ينقلها المخالف والموافق ، المخالف ينقله ليرى الناس أن فيه إبطال حجة محمد صلىاللهعليهوسلم ، والموافق ينقله ليتكلم عليه ويبين أن ذلك ليس من المعارضة في شيء.
يزيد ما ذكرناه وضوحا ، هو أن المعلوم أنهم قد نقلوا من المعارضات الركيكة كمعارضة مسيلمة وغيره عليه لعنة الله ، فلو لا أن دواعيهم كانت متوفرة إلى ذلك وإلا كان لا ينقل إلينا هذه المعارضة على ركتها ، كما لم ينقل ما هو أقوى منها.
وبعد ، فإن المعارضة لو كانت لكانت هي الحجة ولكان القرآن هو الشبهة ، والله تعالى لا يجوز أن يسلط علينا الشبهة على وجه لا سبيل لنا إلى حلها ، ويمكن من إخفاء الحجة على حد لا يمكن الظفر بها ، بل كان يجب أن يقوي الدواعي إلى نقل المعارضة إن لو وقعت ، فلما لم يفعل ، دلنا ذلك على أنها لم تقع البتة ، وأن ذلك تمن.
فإن قيل : إنما ذكرتموه فينبني على أن العرب كانوا أهل حرص على إبطال أمره وتوهين شأنه ، ولم يمكنهم ذلك إلا بالمعارضة ، ونحن لا نسلم ذلك. قيل له : إن ذلك معلوم بالاضطرار ، فمعلوم أن النبي صلىاللهعليهوسلم ادعى منزلة رفيعة عليهم وهم كانوا في غاية الأنفة والحمية والإباء ، فكيف لم يحرصوا والحال ما ذكرناه على إبطال أمره ورفع