الألم للعوض ، سيما على مذهبكم أن الحسن والقبيح إنما يحسن ويقبح لوقوعه على وجه متى وقع على ذلك الوجه قبح أو حسن من أي فاعل كان.
والجواب : أما الأول ، فلا يصح ، لأن الاستحقاق ينقسم إلى : ما لا يثبت لأحدنا إلا على فعل نفسه نحو المدح والتعظيم وغير ذلك ، والثواب من هذا القبيل ، وإلى ما لا يستحقه إلا على فعل الغير ، وذلك كأروش الجنايات وقيم المتلفات ، فإن ذلك لا يستحق إلا على فعل الغير ، ولهذا فإن من فرق على غيره ثوبه يستحق عليه قيمته ، ولو مزقه على نفسه لم يستحق العوض ، نظيره في الشاهد قيم المتلفات ، ففسد ما ظنوه.
وأما الثاني ، فإنا نعارضهم أولا بالاعتبار ، فنقول : لو حسن من الله تعالى الإيلام للاعتبار لحسن منا أيضا كذلك والمعلوم خلافه ، ثم نفصل الجواب عن ذلك فنقول :
إن ما يفعله الواحد منا من الآلام إما أن يفعله بنفسه أو بغيره ، وإذا فعله بغيره فإما أن يكون مفعولا بالمكلف أو بغير المكلف. فإن فعله بنفسه فإنه يحسن للنفع ولدفع الضرر ، ألا ترى أنه يحسن تحمل المشاق طلبا للعلوم والآداب ، وكذلك فإنه يحسن منه الفصد والحجامة ونحو ذلك ، ولا وجه في حسنه إلا النفع أو دفع الضرر على ما ذكرناه قبل. ولسنا نعني بذلك أنه لا بد من حصول النفع ودفع الضرر ، فقد بينا أنه لا يفترق الحال في ذلك بين أن يكون معلوما وبين أن يكون مظنونا ، وإن فعله بغير المكلف فإنه يحسن للعوض ودفع الضرر.
فلا خلاف في هذا بين أبي علي وأبي هاشم ، وإنما الخلاف في أن حسن ذلك هل يعلم عقلا أو شرعا ، فعند أبي علي أنه يعلم شرعا ، وعند أبي هاشم أنه يعلم عقلا وهو الصحيح ، فإن الواحد منا يستحسن بكمال عقله ركوب البهائم في تعهدها ، من سقيها وتحصيل العلف عليها وغير ذلك. وبهذا أجاب أبو هاشم من سأله عن ركوب النبي صلىاللهعليهوسلم البهائم قبل البعثة وأنه لو لم يكن متعبد بشريعة من قبله لكان لا يستحسن ذلك ، فقال : إن ركوب البهائم لمصالحها والمنافع العائدة إليها مستحسنة عقلا ، فلا وجه لما ذكرتموه ، وإن فعله بالمكلف فإنه يحسن للنفع ودفع الضرر والاستحقاق ، ولا شك في أنه يحسن من أحدنا إيلام الغير لمكان الاستحقاق ، فإن المساء إليه يذم المسيء ويؤلمه بذمه ويحسن منه ذلك ، لا لوجه سوى الاستحقاق.
فإذن لا كلام في هذا ، وإنما الكلام في أنه هل يحسن منه إيلامه للنفع ولدفع الضرر من دون اعتبار رضاه أم لا.