وأما الثاني ، فلا يصح أيضا ، لأنه ليس للمنعم على غيره أن يؤلمه لمكان نعمته ، فمعلوم أن من تصدق على غيره بدرهم ، لا يجوز له أن يكلفه من بعده التكاليف الشاقة ، كأن يأخذه مثلا بتطيين سطوحه والقيام بعمارة دوره ، إلى غير ذلك ، بل للمنعم عليه أن ينكر عليه ذلك ويقول له : كان من سبيلك أن لا تتصدق علي بذلك الدرهم ، ولا تؤذيني اليوم لمكانه ، وأما حديث الوالد مع ولده ، فهو يحسن منه ما يأمره بهذا القدر لأن ذلك مما لا يقع الاعتداد به ، ولو كان من باب ما يقع الاعتداد به فإنما يسوغ له ذلك شرعا ، وقد ضمن الله تعالى للولد في مقابلته ما يوفي عليه حيث أباح للوالد ذلك.
فصل
اعلم أن من مذهب عبّاد أن الإيلام يحسن من الله تعالى دون العوض ، وتجعل الوجه في حسن ذلك الاعتبار.
والذي يدل على فساد مذهبه ، هو أن هذا الألم ، إما أن يوصله الله تعالى إلى المكلف ، أو إلى غير المكلف.
فإن أوصله إلى غير المكلف كان ظلما لأنه لا يعتبر ، ومتى قال : إن في إيلامه اعتبارا للمكلفين كان لا يخرج بذلك عن أن يكون ظلما ، لأنه ما من ظلم إلا وفيه منفعة للظالم أو لغيره. يوضح ذلك ، أن الظلم ليس بأكثر من أن لا يكون فيه للمظلوم نفع ولا دفع ضرر ولا استحقاق ولا الظن لأحد الوجهين المتقدمين ، وهذا صورة ما جوزه عباد.
وإن أوصله إلى المكلف فإنه لا يخرج أيضا عن كونه ظلما ، لأنه وإن كان يجوز أن يعتبر به ، إلا أن النفع الذي يصل إليه هو في مقابلة ما أتى به من الواجبات واجتنبه من المقبحات ، فيقع حسه الألم خلوا عما يقابله ، فيكون ظلما قبيحا تعالى الله عن ذلك.
وله في هذا الباب شبهتان اثنتان :
إحداهما ، أن أحدنا يستحق ما يستحقه ثوابا أو عوضا بفعل نفسه ، والإيلام من فعل الله تعالى ، فلا يجوز أن يستحق عوضا.
والثاني ، هو أنه لو كان يحسن من الله تعالى الإيلام للعوض لكان يحسن منا