فعند أبي علي أن ذلك لا يحسن ، وإن بلغ النفع ودفع الضرر مبلغا عظيما إلا برضاه.
وقال أبو هاشم : إن النفع ودفع الضرر إذا عظم لم يعتبر برضاه ، بل يحسن منا إيلامه لمكانه أراد المؤلم ذلك أم كرهه ، وهو الصحيح من المذهب الذي نختاره فإن أحدنا لو قال لغيره : قم من هذا المكان ولك ألوف دنانير ، ثم لم يختر هو ذلك ، فإن له أن يجبره على القيام ويقيمه ثم يدفع إليه الدنانير الألوف.
إذا ثبت هذا وتقرر ، قلنا : إن القديم تعالى لسعة جوده وكرمه ، ولعلمه بتفاصيل ما يوصله إلينا من الآلام ، وكمية ما يستحق أحدنا من الأعواض في مقابلته ، يحسن منه أن يؤلمنا من دون اعتبار رضانا بذلك ، وليس كذلك حال الواحد منا ، فإن نفسه لا تطاوعه على بذل الرغائب في مقابلة إقامة الغير من مقامه من دون أن يكون له في ذلك نفع يقابله ، أو دفع ضرر أعظم منه ، ولا يعلم بتفاصيل ما يصل إليه من أجر الآلام ، ولا كمية ما يستحقه عليه من العوض ، فلذلك افترق الحال فيما أورده بين الشاهد والغائب ، حتى لو قدرنا أن يكون الحال في أحدنا كالحال في الغائب ، لحسن منا الإيلام للعوض كما حسن من الله تعالى.
فصل
واعلم أن من مذهب أبي علي ، أن الألم يحسن من الله تعالى لمجرد العوض ، لما اعتقد أن العوض بصفة لا يجوز التفضل به ولا الابتداء بمثله.
وقال أبو هاشم : لا بد فيه من غرض آخر وهو الاعتبار ، وهو الصحيح.
والذي يدل على صحته ، هو أن العوض لا يبلغ حدا إلا ويجوز أن يتفضل به ويبدأ بمثله ، وإذا كان كذلك والقديم تعالى قادر على أن يبتدئ بالعوض من دون هذا الألم ، فالإيلام لمكانه والحال هذه يكون عبثا قبيحا ، وصار الحال فيه كالحال فيمن استأجر أجيرا ليصب الماء من نهر إلى نهر من دون أن يتعلق له بذلك غرض ثم يعطيه الأجرة ، فكما أن ذلك يقبح منه ، كذلك هاهنا.
فإن قال : إن للاستحقاق مزية ، قلنا : لو حسن من الله تعالى ذلك لمزية الاستحقاق ، لحسن منا الاستئجار على الحد الذي ذكرناه لهذه العلة ، ومعلوم خلافه ، على أن الاستحقاق إنما يكون له مزية في الشاهد ، لأن أحدنا ربما يستنكف من قبول نعمة الغير ويلحقه بذلك أنفة وغضاضة ، وهذا غير ثابت فيما بيننا وبين الله عزوجل