المعنى أن تستعمل إحداهما مجازا حيث لا تستعمل الأخرى ، وعلى هذا فإن الغائط والمكان المطمئن كان في الأصل واحدا ، ثم استعمل أحدهم في الكناية عن قضاء الحاجة ولم يستعمل الآخر ، كذلك في مسألتنا.
فهذه جملة ما يقال في هذه الشبه من طريق العلم.
فأما إذا سلكنا معهم طريقة الجدل ، فالأصل فيه أن نقول : ومن أين يجب إذا لم يقع ما أراده الله تعالى أن يدل على عجزه؟ فإن قالوا : لأن في الشاهد إذا لم يقع ما أراده الملك من جنده دل على عجزه ، وكذلك في الغائب ، قلنا : وبأية علة جمعتم بين الشاهد والغائب؟ فلا يجدون إلى تصحيح ذلك سبيلا.
ثم يقال لهم : ما أنكرتم أن هذه القضية إنما وجبت في الشاهد لأن الملك يتقوى بما يريده من جنده ويعود نفعه وضره إليه ، وليس كذلك القديم تعالى ، فإن المنافع والمضار مستحيلة عليه ، يوضح ذلك ، أن الملك لو أراد من جنده ما لا يتقوى به ، كأن يريد منهم أن يصلوا بالليل ويصوموا بالنهار ليستفيدوا بذلك ويستحقوا به عند الله المنزلة ثم لم يقع لم يدل على عجزه وضعفه ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟
ومما يتعلقون به ، قولهم : أجمعت الأمة على أن قولهم : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وهذا يدل على أن كل ما وقع في العالم من الكفر والمعاصي فبمشيئة الله تعالى وفي ذلك ما نريده.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن دعوى الإجماع فيها غير ممكن لأنا نخالف فيه ، وإنما هو من إطلاقات المجبرة ، على أن الاستدلال بالإجماع على هذه المسألة غير ممكن ، لأن كون الإجماع حجة إما أن يستند إلى الكتاب أو إلى السنة ، وكلاهما إنما يثبت حجة إذا ثبت عدل الله وحكمته ، وأنه لا يفعل القبيح ولا يختاره ولا يشاؤه ، فكيف يصح هذا الإجماع.
ثم يقال لهم : إن مراد الأمة بهذا القول لا يعلم ضرورة ، فمتى لم يعلم مرادهم بهذا القول ضرورة فلا بد من أن يصار إلى التأويل كما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، لأن الإجماع إن لم ينقص عن الكتاب والسنة لا يزيد عليهما وإذا اشتغلوا بالتأويل ، فليسوا به أولى منا ، فنتأوله على وجه يوافق دلالة العقل والسمع ، فنقول :
إن مرادهم بذلك ما شاء الله من فعل نفسه كان ، وما لم يشأ من فعل نفسه لم يكن ، ولا يجوز غير هذا ، لأن مراد الأمة بذلك وصف اقتدار الله تعالى وبيان