امتداحه ، ولا يتم ذلك إلا على الحد الذي قلناه.
يوضح ذلك ، أنه لا يمتنع ضعف المريد وقوة من أريد منه الفعل ، فكيف يدل وقوع ما وقع من العباد على اقتدار الله تعالى؟
ثم يقال لهم : أليس الأمة قد اتفقت على قولهم لا مرد لأمر الله ثم لا يقدح في ذلك إصرار الكفرة على الكفر وإقدام الفسقة على الفسق ، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟
فإن قالوا : إنما لا يقدح ذلك في الإجماع ، لأن المراد بذلك لا مرد لما يريده الله تعالى من فعل نفسه لا من فعل غيره ، قلنا : فارضوا منا بمثل هذا الجواب.
ثم نعارضهم بقول الأمة : أستغفر الله من جميع ما كره الله ، فنقول : لو كان الأمر على ما ذكرتم لكان الاستغفار واقعا عما يريده الله تعالى ، وكان يجب أن يصح قولهم فيه : أستغفر الله من جميع ما أراده الله بدل قولهم من جميع ما كره الله ، وقد عرف خلافه.
وأحد ما يتعلقون به في هذا الباب ، قولهم : قد ثبت أن الله تعالى فاعل للقبائح وخالق له فيجب أن يكون مريدا لها ، لأن العالم بما يفعله لا بد من أن يريده ، كما في الشاهد ، فإن الواحد منا إذا كان فاعلا للقبيح عالما به كان مريدا له ، وكذلك القديم تعالى.
قلنا : وبأية علة جمعتم بين الشاهد والغائب؟ فلا يجدون إلى ذلك سبيلا.
ثم نقول لهم : أليس الواحد منا يفعل الإرادة والكراهة ثم لا يجب أن يكون مريدا لهما وإن علمهما ، فهلا جاز مثله في القديم تعالى؟ على أن هذه الشبهة مبنية على أن الله تعالى فاعل للقبائح وخالق لها ، ودون تصحيح ذلك خرط القتاد.
شبهة أخرى لهم في المسألة ، قالوا : إن القديم تعالى إذا كان عالما بما في العالم من الكفر والمعصية ثم لا يمنع من ذلك مع أن له المنع منه ، دل على أنه مريد له ، والذي يدل عليه الشاهد ، فإن الملك إذا علم من جنده ورعيته أمرا من الأمور ثم لا يمنعهم من ذلك مع أن له المنع منه ، دل على أنه مريد لذلك الأمر ، كذلك في مسألتنا.
وجوابنا ، أن هذا باطل بالإمام والمسلمين إذا علموا بمضي اليهود والنصارى إلى الكنائس والبيع ، لأنهم مع علمهم بذلك إذا لم يمنعوا لم يدل على أنهم أرادوا