صحة الحاسة على ما نقوله ، لأن بهذه الطريقة يعلم تأثير المؤثرات من الأسباب والعلل والشروط.
فإن قيل : نحن لا نسلم ذلك ، بل نقول : إن الحي منا إذا كان صحيح الحاسة إنما يرى الشيء لرؤية خلقها الله في بصره وإدراك يخلقه ، قلنا : الإدراك ليس بمعنى ، وليس بأمر زائد على ما ذكرناه.
فإن قيل : ومن أين أن الإدراك ليس بمعنى؟ قلنا : لو كان معنى لوجب في الواحد منا مع صحة الحاسة وارتفاع الموانع ووجود المدرك ، أن لا يرى ما بين يديه في بعض الحالات بأن لا يخلق الله له الإدراك ، وهذا يقتضي أن يكون بين أيدينا أجسام عظيمة كالفيلة والبعران ونحوها ونحن لا نراها لفقد الإدراك وهذا يرفع الثقة بالمشاهدات ويلحق البصراء بالعميان وذلك محال ، وما أدى إليه وجب أن يكون محالا.
فإن قيل : إنا نقطع على أنه ليس بحضرتنا أجسام عظيمة ، فكيف يجوز أن تكون ولا نراها؟ قلنا : إن العلم بأنه ليس بحضرتنا شيء يستند إلى طريق وهو العلم بأنه لو كان لرأيناه ، وقد سددتم هذه الطريقة على أنفسكم لتجويزكم أن يكون ولا ترونه ، فلا يمكنكم القطع على أنه ليس بحضرتكم شيء ، فيلزم ما ألزمناكم. يبين ذلك أن الأعمى لما فقد هذه الطريق ، وهو العلم بأنه لو كان رآه ، لم يمكنه القطع على أنه ليس بحضرته شيء من طريق الإدراك ، وكذلك إذا جوزتم أن يكون ولا ترونه ، وجب أن يكون حالكم حال الأعمى.
فإن قيل : أليس الأعمى مع تجويزه أن يكون ولا يرى ، يمكنه القطع على أنه ليس بحضرته شيء بأن يلمس فيجد ذلك الموضع خاليا؟ قلنا : كلامنا في علمين يستند أحدهما إلى الآخر ، وكان الأول طريقا إلى الثاني ، وهذا الذي ذكرتموه ليس كذلك فلا يصح. وهكذا الجواب إذا قيل ، ليس يمكنه القطع على أنه ليس بحضرته شيء من طريق الخبر ، لأن كلامنا في العلم الذي يستند إلى الإدراك.
فإن قيل : ألستم جوزتم أن يقلب الله الجبال ذهبا مع أنكم قطعتم على أنه لم يفعل ، فهلا جاز مثله في مسألتنا ، فيجوز أن يكون بين أيدينا شيء ونحن لا نراه ، ومع ذلك نقطع أنه ليس بحضرتنا؟ قيل له : إن بين الموضعين فرقا ، لأن كلامنا في علمين يستند أحدهما إلى الآخر ، والأول طريق إلى الثاني ، فقلنا : من أفسد على نفسه تلك الطريقة لم يحصل له العلم الثاني الحاصل عن الطريق وليس كذلك ما أردتموه ، لأن