لاستحالة الرؤية عليه. والقديم تعالى إنما لا يرى لاستحالة رؤية عليه لا لمنع.
فإن قال : ما في هذه الدلالة إن أحدنا لا يرى الله عزوجل ، فمن أين أنه ليس بمرئي في نفسه؟ قلنا : كل من قال : إن أحدنا لا يرى القديم تعالى ، قال إنه ليس بمرئي في نفسه.
دليل آخر : وهو أن القديم تعالى ، لو جاز أن يرى في حال من الأحوال لوجب أن نراه الآن ، ومعلوم أنا لا نراه الآن. وتحرير هذه الدلالة ، هو أن الواحد منا حاصل على الصفة التي لو رأى المرئي لما رأى إلا لكونه عليها ، والقديم سبحانه وتعالى حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها ، والموانع المعقولة مرتفعة ، فيجب أن نراه الآن ، فمتى لم نره دل على استحالة كونه مرئيا.
وهذه الدلالة مبينة على أصلين : أحدهما : أن الواحد منا حاصل على الصفة التي لو رأى لما رأى إلا لكونه عليها ، والثاني : أن القديم تعالى حاصل عل الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها.
أما الذي يدل على أن القديم تعالى حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها ، هو أن الشيء إنما يرى على أخص ما تقتضيه صفة الذات ، والقديم تعالى على هذه الصفة بلا خلاف بيننا وبين من خالفنا في هذه المسألة ، لأنه تعالى حاصل على ما هو عليه في ذاته وموجود ، ونحن نقول : إن الشيء إنما يرى لما هو عليه في ذاته ، وهم يقولون إنما يرى لوجوده ، والقديم تعالى حاصل على كل واحدة من هاتين الصفتين ، فإذا لا شك أنه تعالى حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليها ، فلا خلاف في أنه حاصل على الصفة التي [لو] (١) رئي لما رئي إلا لكونه عليها ، ولا تتجدد له صفة في الآخرة يرى عليها ، فثبت ما قلناه. وأما الذي يدل على أن الواحد منا حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلا لكونه عليهما ، هو أنه إنما يرى الشيء لكونه حيا ، بشرط صحة الحاسة وارتفاع الموانع وهذا ثابت.
فإن قيل : ولم قلتم ذلك؟ قلنا : لأنه متى كان على هذه الصفة وجب أن يرى ، ومتى لم يكن كذلك استحال أن يرى ، فيجب أن تكون رؤيته لما يراه لكونه حيا بشرط
__________________
(١) زيادة من المصحح.